تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
نحن سادة التنظير، لا أحد يجارينا في الفهم والثقافة، نرطن بلسان أعجمي لنؤكد أننا حداثيون منفتحون على الغرب ونتفوق عليه بما لدينا من تاريخ استهلكناه ولم نبنِ لمستقبل، وانفصلنا عن ماضٍ بشواهده لنعيش حاضرا ملتسبا، ولا نزال إلى الآن نتغنى باللبناني الفهيم والقادر على التأقلم في كل الأوضاع، ذاك اللبناني الذي إن رميته أرضا ينط واقفا، متحدثا ومتوثبا، وهو مخترع وفنان ومحلل سياسي واقتصادي ومصرفي ورجل أعمال، ويجيد السخرية من كل شعوب الأرض.
نحن أذكى بني البشر، بدليل أننا خسرنا وطنا ولا نزال نمارس غواية التفوق، نعيش وسط النفايات ومجاري الصرف الصحي ولا يرف لنا جفن، ونرضى بطغمة حاكمة وممثلي كارتيلات المال ونصفق لهم، دعما لسياساتهم وعنادهم ومصالحهم، وإذا ما أرادت مجموعة من اللبنانيين التظاهر رفضا لواقع نحن فيه شهود زور نصفق لزعماء الطوائف، نلوذ مختبئين خلف هزائمنا وإحباطاتنا.
ما يؤسف أن أحدا لم يتحرك سوى الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري وبعض القوى العلمانية وهيئات المجتمع المدني، ومناصرو أحزاب الطوائف لا يعنيهم الأمر في شيء، الأمور مستتبة، الاقتصاد مزدهر، حكومة مسؤولة تمارس مهامها بدقة ساعة سويسرية، لا بطالة وفرص العمل تفيض عنا ونستجلب عمالة أوروبية، معاجننا ممتلئة طحينا، الطبابة والاستشفاء والدواء كلها متوفرة للناس دون تمييز، والكل سواسية في رغد العيش، فلماذا التظاهر أساسا؟
أما اللبناني الذي يجيد التنظير وإملاء المواقف وتحليل وتشريح الوضع السياسي كخبير محنك، فيريد تغيير الواقع المأزوم بــ "روموت كونترول"، وكأنه يشاهد فيلما بوليسيا هو فيه البطل والمؤلف والمنتج والمخرج، ويكون قد عضه الجوع ولم يتنازل عن الاعتراف بذلك كي لا ينكد على زعيمه، ويشغله بتوافه الأمور، و"مرحبا" تغيير.
نعلم أن السلطة لا يمكن أن تتظاهر لتسقط نفسها، ولا يمكن لحزب طائفي أن ينتصر للناس، على الأقل من يمثلهم، وهذا إن دل على شيء فعلى استحكام الجهل والتعصب، وإن كنا لا نعلق كبير آمال على تظاهرات، لا الآن وفي المدى القريب، إلا أن ذلك لا يعني الاستسلام والضياع.
لا بد من عودة الوعي، ليقول الناس كلمتهم، وذلك هو السبيل الوحيد للتحرر من نير أحزاب الطوائف، لصالح علمنة الدولة بعيدا من اصطفافات مقيتة ستقود حتما إلى ترنح لبنان وسقوطه في مهاوي الفتن والقلاقل!