تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
مفارقة غريبة أن تتوقف عجلة تشكيل الحكومة وأن يسلم أهل السلطة بأمر واقع هم من صنعه، وأن تستمر الحياة وكأن ليس ثمة موجب لتشكيلها، ما يدفع للتساؤل: هل نحن في رحاب دولة ودستور ومؤسسات وقوانين أم أننا مجرد رعايا في دولة أحنبية؟
ساعة لا نملك كمواطنين قوة الحضور لنحاسب سلطة فاسدة، فمعنى ذلك أننا محكومون بـ "احتلال" الطوائف لإراداتنا، وهذا ما تكرس فعلا في قانون انتخاب مفصل على قياس الطوائف وزعاماتها، لم يتح لنا أن نقترع لمشاريع ولتصورات حول الدولة التي نريد، فمنحنا أصواتنا لغرائز زُرعت فينا، اقترعنا خوفا من الآخر الشريك وفي مواجهته، حملنا هواجسنا وأسقطناها في صناديق الاقتراع.
نعم نحن محتلون من سلطة فاسدة، لا تريد أن نتحرر من أغلالها، احتلال أشد وأقسى من احتلال غرباء للبنان، وحتى في ظل حكم الطوائف يتحول الغريب صديقا وداعما لنا في مواجهة فريق آخر من اللبنانيين استعطف غريبا آخر ليدعم معاركه الخاصة، ولا يختلف احتلالنا اليوم عن احتلالات سبقت وعشنا فصولا من ذل وهوان، وكم هُدرت كراماتنا على حواجز الغرباء في وطننا، وكم اشتد خوفنا من أن يضيع لبنان في سوق المصالح الكبرى، ولم نتعلم.
نعم نحن محتلون من سلطة فقدت أهليتها، وصار لزاما علينا اجتثاثها لصالح دولة مدنية تخاطب عقولنا لا غرائزنا، سلطة لا تتوانى عن تفريقنا وتشتيتنا فرادى وجماعات كي لا نتحد في مواجهتها، ولا تختلف عن أي عدو مارس سياسة "فرق تسد"، من العثماني إلى الفرنسي وكل من توالى محتلا وزائرا وضيفا، سلطة ترى في اتحادنا مصدر خوف على امتيازاتها، وهي تمارس السياسة بالإرث، وتزينه بديموقراطية طوائفية شوهاء، من الجد إلى الأب إلى الحفيد، حتى أصبح اللبنانيون منقسمين بين "أبناء ست وأبناء جارية"، بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئا.
وباستثناء ما عبر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام السلك القنصلي أمس، لم نسمع مسؤولا أبدى قلقا وامتعاضا مما نحن عليه، فقد عبر الرئيس عن أسفه لتعثر تشكّل الحكومة بعد الانتخابات والتطورات التي حصلت في المنطقة، معتبراً انه بات من الواضح انه كلما تعقدت الأمور والحلول السياسية في الخارج، فإنها تنعكس بدورها على الساحة اللبنانية لتتعقد امورنا معها، معربا عن أسفه لعدم تمكننا من التخلص من التأثيرات الإقليمية على وضعنا الداخلي، متمنيا ان يكون بمقدورنا بعد حين من تجاوز العراقيل الكبيرة واكمال مسيرة النهوض بالدولة من جديد.
وإذا بقينا على ما نحن عليه نواجه احتلال السلطة لإراداتنا، فمصير لبنان إلى المجهول، والآتي أعظم، وليس ببعيد.