تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
الحكومة هي عيديّة اللّبنانيّين كلّهم. هذا الكلام كان قبل العيد أمّا بعده فلم تصل أيّ عيديّة بعد. وبات مؤكّدًا أنّ هنالك فئة لا تريد لعجلة الدّولة أن تستقيم. لا بل الأكثر، لا يريد هؤلاء للدّولة أن تكون. فالاشكاليّة اليوم لم تعد مجرّد وجود حكومة أو عدمها، بل صارت بين الكينونة والوجود والحضور للدّولة اللّبنانيّة. فهل يعي المتلطّون خلف المغانم الوزاريّة ماذا ترتكب أيديهم بحقّ لبنان؟ وهل يدري هؤلاء أنّ الإشكاليّة التي جرّت البلاد بأكملها إلى حرب أهليّة في الماضي القريب، هي نفسها التي يستولدونها من جديد؟
وحدها بكركي تتدارك الخطر قبل وقوعه، وها هو البطريك الماروني يستدعي الزّعماء المسيحيّين لطاولة حوار مسيحي – مسيحيّ قبل ذهابه إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة في الأيّام القليلة القادمة. ولم تأت دعوة البطريرك اليوم كما كانت بعد أزمة رئاسة الجمهوريّة. بكركي قالت كلمتها، ودقّت نواقيس الخطر كلّها ودعت القيّمين على شؤون الدّولة كلّهم، ومن دون أيّ تمييز، إلى تخطّي العوائق السياسيّة، وغير السياسيّة التي تحول إلى حينه دون تشكيل الحكومة.
تخوّف المطارنة الموارنة في محلّه اليوم. ولا يقف هذا الخوف عند حدود خسارة أموال مؤتمر سيدر بعد عدم قدرة السلطة على توظيفها نتيجة غيابها المقصود. فهمّ إخراج النّاس، النّاس كلّهم، من الفقر الاجتماعي الذي لا يميّز أحدًا عن أحدٍ هو هاجس من هواجس بكركي. لذلك، دعت اليوم إلى تشكيل حكومة مصغّرة من الاختصاصيّين مستقلّين لإنقاذ الهيكل قبل انهياره على رؤوس الجميع.
نعم، خوف بكركي لم يقتصر فقط على الهمّ المعيشي الذي لا يقلّ شأنًا عن تخوّفها من الفتاوى التي تعتبر كمسكّنات، لا سيّما لتمرير موضوع الموازنة. وذلك كلّه عوض البحث عن كيفيّة تقويم العجلة بشكل أساسيّ من خلال اكتمال عقد السلطات الدّستوريّة. والأهمّ من ذلك كلّه، الحفاظ على صيغة العيش المشترك وتقاليده، وصون الحريّة الشخصيّة التي باتت تهتزّ عند كتابة أي تعليق على أيّ صفحة من صفحات مواقع التّواصل الاجتماعي لا يكون للتبخير والتّطبيل للسلطة المعرقِلة.
ثمانية أشهر مضت والمعرقلون هم هم. لا يتخطّون حدود أنانيّاتهم وأطماعهم السلطويّة ومصالحهم الضيّقة ودلعهم السياسي على حساب مصلحة الوطن. وأيّ عودة في الملف الحكومي إلى مربّع إعادة توزيع الحقائب تثبت مقولة رئيس مكلَّف ووزير مؤلِّف. وهذا ما لا يقبل به أي وطني يؤمن بلبنان مهما كانت الذّرائع المستخدمة.
وسط ذلك كلّه، مخاوف بكركي من خسارة الوطن الذي دفع ثمنه 1400 سنة من المقاومة ليصبح هذا الوطن يعني الحريّة بحدّ ذاتها، هو خوف مشروع. وأولئك الذين يبحثون عن كيفيّة وصولهم إلى السّلطة ليخدموا مشروع إعادة صياغة فكرة الكيان، إمّا لا يعرفون ماذا يفعلون، وإمّا هم يعلمون جيّدًا لكن عماهم وجشعهم يمنعانهما من رؤية ما يُرَى.
أمّا بالحديث عن عواقب ذلك، عليهم بقراءة التّاريخ جيّدًا ليعرفوا أنّ صانعي الكيان ما زالوا أيضًا همُ هم، كما كانوا منذ 1400 سنة، وهم اليوم أنفسهم ما زالوا من العام 1969 و1975، هم وأولادهم وأحفادهم. فلا يحاولنّ أحد المساس بتاريخ الكيانيّة اللّبنانيّة. فوجودنا في لبنان والشّرق هو وجود مقدّس. ونحن هنا لنحمي أرض المسيح التي أرادها أن تكون رسالة لعيش رسالة المحبّة. وليعلم الجميع، أنّ المسيح نفسه قلب طاولات الصيارفة في بيت أبيه، وزجر الباعة مستخدمًا السّوط. ولن نألو جهدًا في استخدام الطّريقة عينها متى داهم الخطر كيان مار يوحنّا مارون، ولأنّهم حوّلوا بيت الآب إلى مغارة لصوص. وقد أعذر من أنذر.