تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كنا بالأمس نسأل عن تشكيل الحكومة ، فإذا بنا اليوم نتطلع بتوجس إلى ما هو أبعد من تفاصيل حدث سياسي بعينه، أو أزمة بعينها، وسط ما نشهد من تطورات دراماتيكية تهدد لبنان في صميم وجوده، فالتباينات بين أهل السلطة تخطت سقف الدولة كناظم للحياة السياسية، وهذا ما لا يحتاج إلى تحليل أو اجتهاد وتأويل، وإلا ماذا نفسر العجز عن إدارة شؤون البلاد؟ وكيف نفهم عدم ملاقاة الأزمات العالقة في متاهة التعطيل والتسويف بانتظار حكومة لم تولد بعد؟
لو أراد تحالف قوى السلطة إنقاذ لبنان من كوارث مقبلة، فالمطلوب وفي غضون أيام قليلة تشكيل حكومة مصغرة من ذوي الخبرة والاختصاص، لأن الجميع بات على قناعة أن لا حكومة وحدة وطنية، لا الآن ولا في المدى المنظور، وليعذرنا المتفائلون، كما أن مثل هذه الحكومة ستأتي حاملة معها تناقضات لن تمكنها من الاضطلاع بمهامها، وستكون بمثابة تجمع يضم مراكز قوى متنافرة، ولن يكون في مقدورها العمل إلا بإملاءات واتفاقات ضمنية بين زعماء الطوائف والمذاهب.
في تجربة حكومة تصريف الأعمال ما لا يشجع أيضا، فالوزارات أو بعضها، تحولت منابر لقوى سياسية، لا قطاعات مستقلة في سلطة تنفيذية مفترض أن تكون ممثلة للمواطنين بمختلف مشاربهم، فبعض الوزراء مارس دورا سياسيا من داخل مؤسسة رسمية هي ملك جميع اللبنانيين، فما عدنا نعلم إن كان وزيرا أو مسؤولا في حزب سياسي، ونذكر كيف أن خلافا بين وزيرين أفضى إلى اتخاذ إجراءات تعسفية طاولت موظفين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بسجالات السياسة، باستثناء أنهم محسوبون (وظيفيا) على هذا الفريق أو ذاك، حتى بدا لنا أن كل وزير "فاتح على حسابو"، وكأن الحكومة دكانة أو سوبر ماركت لها فروع ومكاتب طائفية.
في زمن الحرب والفوضى لم نشهد مثل هذا الانحدار القِـــيَـــمي، وكان التحاصص قائما بعيدا من الكيد وتسجيل المواقف، وكان ثمة فساد ولكن دون مجاهرة، أما اليوم فالأمور على غاربها، حتى بتنا على قناعة أنه في مكان ما هناك من يريد إفشال العهد والالتفاف على الدولة ومصادرة قرارها، وفي هذا المجال ليس ثمة من هو غير مسؤول، والكل سواسية في نهش جسد الدولة.
حيال ذلك، لا حكومة وحدة طنية ستكون قادرة على النهوض بالبلد، ونجدد التأييد لدعوة غبطة أبينا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بضرورة تشكيل حكومة مصغرة تضم ذوي الاختصاص، وفي ما عدا ذلك، لا أمل ولا يا من يأملون!