تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
نكاد نخاف أن يصبح واقعنا السياسي في يوم من الأيام محكوما بالشعوذة والسحر وضرب المندل وقراءة الكف، أو بمعنى آخر، نخاف أن تمارس السياسة كنوع من أنواع المقامرة، وأن نلجأ إلى "التبصير" لاستقراء التطورات السياسية، وفي كل الأحوال لسنا ببعيدين عن أجواء السحر، فمع ما نواجه من غموض على مسار تأليف الحكومة صار لزاما علينا أن نستعين بـ "مبصر مغربي"، هذا الذي كان يجول في قرى وبلدات لبنان في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حتى أن كبار السن غالبا ما يبادرون للقول عندما تستعصي عليهم قضية "صار بدنا منجم مغربي".
وقضية التنجيم ليست بجديدة على لبنان، وثمة كثيرون يعتقدون أن التنبؤ بالمستقبل أمر ممكن ويُقبلون على تقصي أخبار المشعوذين، وهم لا يعلمون أن لا علوم غيبية، وأن التبصير والتنبوء بالمستقبل هو أمر عرضي وخاضع للعلم أيضا، وهذا ما يعرفه من درس علم الاحتمالات Probability، ما يعني أن أكاذيب المبصرين يصح بعضها، خصوصا وإن كان "قارىء المستقبل" يدرك بديهيات هذا العلم ويتابع التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بمعنى أن الموضوع بكليته هراء وكذب ودجل.
حتى أن بعض المتنورين، علما وثقافة، يتابعون تنبؤات الدجالين حول العالم، بعضهم لتمضية الوقت، وبعضهم الآخر من أجل أن يرصدوا التوقعات في لحظة ضعف، فيتوهمون أن الأحلام ممكن أن تحقق، خصوصا إذا كانوا يمرون في ظروف صعبة اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، وفي هذه الحالة يبدو هؤلاء مثل مريض يعاني من مرض عضال ويتمسك ولو بقبس من أمل ليواجه مرضه.
كما أن الدول المتطورة تعيش حالات مشابهة، ولكن على نطاق محدود جدا، يكاد يقتصر على قلة من الناس، ذلك أن هذه الدول تصالحت مع حاضرها مستفيدة من تجارب القرون الوسطى وما قبلها، يوم كان الملوك والأمراء يستعينون بمنجمين وسحرة ليكشفوا لهم ما تخفيه الأيام، وكذلك الأمر بالنسبة للإمبراطوريات القديمة، وأيضا في زمن الخلفاء العباسيين، قبله وبعده، لكن الغرب انتصر للعلم وتقدم، لأنه انتفض على الموروث الشعبي وسائر الطقوس التي لا تمت إلى العلم بصلة.
أما المشكلة التي تنغص حياتنا كلبنانيين، فتظل متمثلة بـ "نجوم" التبصير في رأس السنة، وهؤلاء يبيعون اللبنانيين أوهاما، وكان حريا بوزارة الإعلام منع ظهورهم على الشاشات، وتوقيفهم بتهمة بث أجواء يمس بعضها استقرار لبنان، كالتنبوء بمصيبة ستحل في منطقة أو في دور العبادة، أو أن مسؤولا في دائرة الخطر... الخ.
لكن يبدو أن السلطة العاجزة عن تشكيل حكومة تؤثر تخدير الناس، وهؤلاء جاهزون غب الطلب، ويظل الخوف ماثلا من أن تنتقل هذه العدوى إلى أهل السياسة، فيعالجون أوضاع البلد بالسحر والسحرة!