تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر - الأب جان بول خوري
قال العالم الاجتماعي الراحل أنيس فريحة عن لبنان، بأن روح الوطن اللبناني هي القرية اللبنانية. ولكن مع بروز عوامل التطور والتمدن وسيطرت ثقافة الإسمنت، تحولت القرى إلى حالة ملتبسة، فلم نعد نرى أمامنا إلا بعض البيوت النادرة التي تعود إلى الزمن الماضي، وكأن روح الأصالة قد توارى أو انسحب إلى الوراء تاركا فقط بعض البصمات الاثرية بالكاد نراها معززة ومكرّمة أو محفوظة بعناية واهتمام. فأتت فكرة القرية الميلادية لتعيد من جديد بث روح القرية، ولكن هذه المرة لتُنهض العزائم وتشدد الركب والإرادات لتبث روح العزم والنشاط بين أبناء المجتمعات سواء المجتمعات ذات الطابع الريفي أو ذات الطابع القروي. وهذا ليس بسهل تبني قرية ميلادية تجذب اليها الجميع، لانها تتطلب طاقات كبيرة وهمما وسواعد.
إن اختبارنا لفكرة القرية الميلادية صارت مطلبا حيويا، لا بل عنصرا هاما على صعيد تنشيط روح القرية أو البلدة أو المدينة التي تستقبل فيها فكرة انشاء القرية الميلادية. هاجسنا هو هاجس الكنيسة، أن تبث في النفوس روح القرية الميلادية، التي تهدف إلى تنمية المجتمع على الصعيد الحضاري والاجتماعي والثقافي، ولا سيما دعم المؤسسات والجمعيات الخيرية التي لا تبغي الربح وتعمل على بناء الإنسان جسدا ونفسا.
إن القرية الميلادية التي تحققت في البرامية، هي رغبة راعي الكنيسة الذي تمنى على رئيس البلدية والمجلس البلدي بالتضامن والتعاون مع مؤسسة "كاريتاس" ووقف الرعية، ان يتحقق إنشاء القرية، وهذا ما تمّ بالفعل، فالجهود التي بذلت من اجل إنجاح القرية الميلادية لا تقدر بثمن، لأننا اكتشفنا من جديد اهمية حضارة التضامن، لقد اعادت القرية الميلادية لتزيدنا تضامنا مع مجتمعنا الذي نعيشه فيه، فتكاتف المسيحي مع المسلم، وقاما معا ببناء مجتمع القرية الميلادية، من هذا المنطلق، جسدت القرية ما نتوق ونصبو إليه، انه مستقبل لبنان الحقيقي، الذي لا يتحقق إلا بتضافر جميع أبنائه ومكوناته الذي يبدا بالتضامن في سبيل الحفاظ على الخير العام.
نعم، القرية الميلادية عادت لترسخ في ذهنية الشخص حقيقة الشركة، التي شرّعت الابواب على مصراعيها تجاه كل آخر مهما كان دينه وانتماؤه السياسي.
ان روح القرية الميلادية، أثرت عل مجتمعنا فزادته حيوية ونشاطا لتخلق فسحات للتلاقي والتحاور ولا سيما الابتهاج بالمولود الالهي.
من هنا أدركنا أهمية هذه القرية الميلادية القادرة ان تحفظ مجتماعتنا من اوهام الضلال والكذب والرياء، بأن الفرد لا يستطع أن يبني المجتمع بمعزل عن مشاركة الآخرين، فالمشاركة محتومة بقيم التلاقي والجيرة والأخوة.
فمن القرية الميلادية التي في البرامية إلى القرية الميلادية في دير القمر الهدف ذاته والوجهة عينها، انه لبنان، الذي لا تستقيم مجتمعاته إلا بقيم بعيش روحية عالية، القرية الميلادية تجسّيد ملموس لهذا العالم الروحي القادر ان يشبّك العلاقات بأواصر المحبة والتضامن. القرية الميلادية هي من إحدى الحلول التي تستطيع أن تذكّر كل إنسان بمسؤوليته في انماء مجتمع بلدته أو مدينته.
فهنيئا لنا براعينا الحبيب المطران مارون العمار السامي الاحترام الذي بفضل سهره على روح الشركة، تحقق حلم بناء قرية ميلادية في أصغر بلدة، أي في البرامية، وهذا ما دفع بالعديد من القرى والبلديات إلى إنشاء فكرة القرية الميلادية في مجتمعاتهم. يبقى سر نجاح القرية، مرهونا بمدى تعاون وتضامن المؤسسات القائمة في تلك القرى. لا يمكن أن نبني مجتمعاتنا إلا بالتضامن والتبادلية ما بين المؤسسات القائمة وأبناء المجتمع الذين يحبون مجتمعهم ويسعون على تنميته وازدهاره، فكلما كان التعاون راسخا كلما زادت فرص خلق أوضاع اجتماعية، تجعل المجموعات والمؤسسات والأفراد كل واحد يحقق ذاته بالتناغم والانسجام مع الآخرين على قاعدة المحبة في الحقيقة.