تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
هل ثمة دستور في العالم يرقى إلى مستوى نص ثيولوجي جاء بالوحي والرؤيا النورانية؟ أم أن الدساتير تتطور وتتغير لصالح الإنسان وكرامته وحقوقه؟ ولماذا في لبنان ثمة تقديس للنصوص؟ وماذا إذا ما تأكد أنها مجلبة لأخطار وأزمات وكوارث؟
هذه الأسئلة وغيرها تضعنا أمام مقولة "معتزلية" (نسبة إلى المعتزلة) بأن "العقل قبل النقل"، وهذه إشكالية فلسفية على مستوى الفكر الإسلامي المعاصر، ويمكن أن نتيبن من خلالها كيف أن المسلمين بمعظم مذاهبهم الفقهية قدموا النص على العقل، فألغوا باب الاجتهاد وسطحوا الأفكار وركنوها عند حدود الجهل، وعلى عتبة الجمود، والجمود موت يخالف قوانين الطبيعة والمجتمع.
في سياق التطور التاريخي لأزمة الإسلام المعاصر، نجد أنه كانت هناك سانحة لإعمال الفكر والعقل في أمور الدين وفي كل نواحي الحياة وإعلاء الثقافة، ولا سيما على يد رموز التجديد ودعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلام أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وغيرهم، غير أن رياح التجديد اصطدمت بالفكر السلفي مع بروز "الإخوان المسلمين" في مصر كتيار امتدت جذوره إلى بلدان كثيرة، وإلى اليوم نعيش ارتدادات هذه الانتكاسة مع بروز أصوليات إسلامية تكفيرية هي بعض نتاج تقديس النصوص وإقفال باب الاجتهاد والتأويل لمواكبة عالم تغير بسرعة وسبقنا، ونحن اليوم كعرب ومسلمين نكفره، فيما نتذيل قائمة الدول من حيث الإنتاج والإبداع والصناعة وحقوق الإنسان.
في استحضار بعض أزمات الفكر الإسلامي نتحدث عن التجديد في حدود العقل ومداركه، وعن الاجنهاد في حدود لا تناقض في المطلق النص الديني، والحال مغاير تماما في مقاربة نصوص دنيوية من صنع البشر، فهنا ليس ثمة ما هو مقدس، وأزمة لبنان اليوم أكبر من أزمة حكومة تعثرت ولادتها وما تزال، نحن أمام إشكالية دستورية أقعدت لبنان عن ممارسة دوره التنويري في المنطقة، فغدا منقسما طوائف وأحزابا وتيارات.
لا شيء مقدسا في أنظمة الدول، وكي لا نرتدَّ إلى حدود الجهالة وإلى أصوليات عمياء، لا بد من الإقرار بأن علمانية الدولة المحصنة بقيم الموروث الديني بتعدده وتنوعه، هي المدخل للخروج من أزماتنا القائمة والمقبلة، وإلا سيغدو لبنان خرابا وصحار تمتد في العقول وفي ما بقي من إرث طبيعي أيضا!