تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
ما تزال ظاهرة الانتحار الجماعي لمجموعات من الحيتان والدلافين تحير العلماء، وتختلف تفسيراتهم لهذه الظاهرة، فما سر جنوح هذه الكائنات البحرية بإرادتها إلى الشواطئ لتلفظ أنفاسها؟ ومن ثم ما الجدوى من إعادتها إلى المياه طالما قررت أن تضع حدا لحياتها؟
ثمة تساؤلات كثيرة ولا جواب واحد شافيا، هل هو نقص الأوكسيجين وتحمض البحار والمحيطات وارتفاع درجة حرارة المياه؟ أم هي الضوضاء؟ أم تدخل البشر عبر غواصاتهم وبواخرهم وأساطيلهم هو السبب؟ أو أن تلويث البشر للبيئة البحرية يقود هذه الكائنات للاعتراض بالانتحار والموت الطوعي؟
في اجتهاد شخصي، قد تكون هذه الأسباب مجتمعة سببا لما يمكن تسميته بـ "الاكتئاب البحري"، وهو حالة مرضية لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى توصيفها وعلاجها، ولا معرفتها أساسا، فهذه الكائنات قريبة جدا من مجتمع البشر، فهي اجتماعية وتعيش في بيئات معينة وتتواصل في ما بينها، ومن هنا يمكن أن تتعرض لإجهاد عصبي وتغير مزاج بسبب عوامل عدة تفضي في النهاية إلى مرض "اكتئاب البحر"، ولا يظنّنَّ أحد أن هذه النظرية قد لا تكون واقعية، وهنا دعوة للعلماء لتقصي ظاهرة الانتحار الجماعي لهذه الكائنات انطلاقا من معطيات على صلة بـ "تنكيد" الإنسان لحياتها.
ما نعيشه في لبنان أقرب ما يكون إلى ما تعيشه كائنات البحر هذه، واللبنانيون عموما في توقهم للهجرة هربا من منكدات داخلية وانعدام فرص العمل، هم كمن ينتحر طوعا، فالغربة شكل من أشكال الموت في حدود معينة، فأن تقتلع إنسانا من بيئته، ومن بين عائلته ووطنه هو كمن يقطع وردة ويزرعها في غير بيئتها، وعليها أن تتأقلم أو تموت فعلا، وهذا حال اللبنانيين مع ما يواجهون من منغصات، غير بعيدة عن تلك التي تواجه الحيتان والدلافين.
ولو ترك الأمر للبنانيين، أو من بقي منهم، وأتيح لهم المجال، لَـهّجُّوا منذ أمد بعيد، تماما كجنوح الحيتان إلى شواطئ غريبة، ولا نتحدث هنا عن حالات انتحار فردية بسبب ضيق ذات اليد والاكتئاب وعوامل عدة غير منفصلة عن واقعنا المعيوش، وإنما نتحدث عن مسار عام، عن توق اللبناني إلى الحرية والكرامة، خصوصا وأن اللبناني عموما لا يمكن أن يعيش دونهما إلا بالإستعانة بمهدئات صيدلانية أو من إنتاج سهلنا الأخضر، ومضادات كآبة ذائعة الصيت بكل أنواعها المحفزة لهرمون السعادة (السيروتونين) في الدماغ.
في البحر لا علاجات للحيتان متوفرة حتى الآن، فهي تؤثر الجنوح، ونحن مثلها نؤثر "الموت" في بلاد الآخرين!