تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
د. ميشال الشمّاعي
خاطب فخامة الرّئيس البارحة اللّبنانيّين بلغة الحوار. ولقد عهدناه ضنينا على مصلحة الوطن. فأيّ خلل في التّفكير الوطني لأيّ مجموعة حضاريّة من مجموعات لبنان، يسيء إلى هذ المجموعة وحدها من دون سواها. لذلك، المطلب الأساس اليوم هو: العمل على تثبيت الدّولة، وجعلها قادرة، وقويّة بقوّة قواها الشّرعيّة، وليس بشرعنة قوى غير شرعيّة لتنوب عنها في أداء المهام الشّرعيّة. فهل اتّعظ اللّبنانيّون من تاريخهم القريب والبعيد؟ أم أنّ بعضهم مصرّ على تكرار تجارب الماضي الفاشلة؟
من المعلوم في أيّ بلد من بلدان العالم، ولو حتّى في جمهوريّة الموز، أنّ أيّ قرار ذو مستوى أمنيٍّ، أي تحت غطاء التّدبير رقم 1، إنّما لا يتّخذ من جهة واحدة من سلطات البلاد بل تكون السلطات كافّة على علم بهكذا قرارات. وما التّهديدات الوهّابيّة الجاهليّة إلا لمزيد من الضّغط على فخامة الرّئيس للتّنازل في بعض مواقفه، لا سيّما فيما يتعلّق بتسمية الوزير الدّرزيّ الثالث. ما يؤشّر إلى أنّ حزب الله عبر وكيله وئام وهاب قد استولد أزمة جديدة، إمّا أن تضع البلد أمام أمدٍ طويل من حالة اللاحكومة، وإمّا أن تدفع إيجابا نحو تشكيل حكومة قد لا تكون "المرتقبة" بالنّسبة إلى بعضهم.
هذا الموقف الذي أطلقه الوكيل، سرعان ما تنصّل منه الطّرف الوسطي في الشارع الدّرزي، أعني المير طلال الذي بات بين مطرقة الاشتراكي وسندان الجاهليّة. ما يؤشّر إلى أنّ الأغلبيّة الدّرزيّة لن تسمح باختراق حزب اللّه لبيئتها، بغضّ النّظر عن تحالف المير وانسجام مواقفه مع مواقف الحزب.
إلا أنّ الواقع يبدو مغايرا. لقد اخترق حزب اللّه البيئة السنيّة عبر النوّاب السّنة من خارج تيّار المستقبل، وها هو يخترق البيئة الدّرزيّة عبر رافعته فيها، أي الوزير السابق وئام وهّاب. أمّا في السّاحة المسيحيّة فتفاهم مار مخايل قد أمّن للحزب أغلى أحلامه، أعني الدّخول إلى السّاحة المسيحيّة وبقوّة. أمّا البيئة الشيعيّة فيحكمها الايقاع المتوازن بين الحليفين إلى حين سقوط أحدهما: إمّا بعد العمر الطّويل، وإمّا بعد استدراج استراتيجيّ سلبيّ ينقل الصّراع من الساحة السوريّة إلى السّاحة اللّبنانيّة عبر ذريعة الأنفاق.
على ما يبدو أنّ الرّئيس الحريري اليوم صار أكثر تصلّبا في مواقفه وهو لن يقدم على أي تنازل على حساب كرامة شارعه المتعطّش لاستعادة الهيبة السنيّة التي طوّعتها سطوة حزب اللّه من خلال عمليّة تسلّله إلى حديقتها الطّرابلسيّة والبقاعيّة وحتّى البيروتيّة.
لذلك كلّه، تبقى المبادرة اليوم بيد رئيس الجمهوريّة المخوّل وحده بحسب الدّستور بأن يكون الحكم الحاكم. ومن لم يتّعظ بعد من عمليّة وضع العصيّ في عجلات الدّولة فهو يخطئ بحقّ نفسه وأهله وناسه أوّلا، وثانيًا والأهمّ هو مخطئ بحقّ الوطن.
لذلك، على الجميع الاتّعاظ بأنّ الكيانيّة اللّبنانيّة باقية وصامدة بوجه أي كيانيّة تسعى أي فئة لاستيرادها. ومن لا تعجبه هذه الكيانيّة لا يحاولنّ أن يُكَيْنِنَ الوطن على قياسه، بل فليجد له كيانيّة خارج حدود ال 10452 كلم2 يمارس فيها طاغوته وجبروته على من يخافه. نحن لا نخاف أحدا. نقول كلمتنا ونمشي. فالمصرّون على تكرار التّجارب الفاشلة لن يجدوا لها بيئة خصبة في لبنان بعد اليوم. ومن لم يتّعظ من التّاريخ ليس أهلا لعيش الحاضر وبالطّبع سيكون قاصرا عن أيّ دور في المستقبل.
وعندها فقط، لا أشباح الدّيموغرافيا تخيفنا ولا الأراضي التي تمّ شراؤها بأموال غير نظيفة. فمتر الأرض الذي تمّ شراؤه بمئة دولار سيعود إلى أهله بعشرة دولارات ولو بعد حين. وتطبيق قانون استعادة الجنسيّة وحده كفيل بإعادة التّوازن الدّيموغرافي الذي حقّقه الاحتلال السّوري بالقوانين الجائرة. لذلك، نسأل ربّ القوّات السّماويّة أن ينجِّهم من التّجارب. ولهم نقول: " إتّعظوا، وإلا...!".
*إن "الثائر" على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأفكارة في النص أعلاه تعبر عن رأي صاحبها.