تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
دماء الصحفي السعودي جمال خاشقجي لم تلطخ سفارة أو قنصلية بعينها، لا بل لطخت سفارات دول "العالم الحر"، تلك التي تحاضر وتعطي الدروس وتحث على احترام شرعة حقوق الإنسان و"تقدس" حرية الرأي والمعتقد، فيما هي متورطة بسكوتها، حتى مواقفها الشاجبة والمستنكرة، وإن كانت توحي أن الجريمة لن تمر دون عقاب، إلا أن سقفها لا يتعدى رفع العتب كي لا تخسر مصداقية هي دائما على المحك، فيما ترى ما يجري في هذا العالم بعين مصالحها واستثماراتها.
دائما في مثل هذه الأحداث، لا بد من طرح أسئلة افتراضية لنستقرىء اللحظة وفهم تفاصيل بعمق أكثر، ومن هذه الأسئلة، لو أن الصحفي خاشقجي ينتمي إلى دولة فقيرة هل كنا سنرى كل هذا الصخب الدولي من الإعلام إلى الدوائر السياسية في "العالم الحر"؟ بالتأكيد لا، وكنا سنشهد بيانات ومواقف عابرة وانتهى الأمر قبل أن يجف دم الضحية.
ما نشهد اليوم من مواقف تدين المملكة نظريا، لن يتخطى سقف التسويات وحفظ ماء الوجه، والحفاظ على استثمارات السعودية في أوروبا والولايات المتحدة بشروط تعزز هذه الاستثمارات من باب توظيف الدم، وتتطلع إلى استثمارات أكبر، أما دماء خاشقجي فهي منصة لتحسين شروط هذه الاستثمارات.
ومن ثم لماذا كل هذه المواقف تتقصد المملكة العربية السعودية دون غيرها؟ ولماذا يتم استبعاد فرضية أن تكون جهة ثانية هي من ارتكب الجريمة؟ ولماذا تتريث تركيا في عرض التسجيلات التي بحوزتها؟ ولماذا سربت إلى وسائل إعلامها معلومات تؤكد تورط المملكة (وفقا لروايتها) غير المعلنة رسميا؟
من هنا، وفي ما نشهد من تطورات، ولا سيما في الساعات القليلة الماضية، يتأكد أن القضية تخطت واقعة التغييب أو التعذيب والتصفية إلى ما يشبه مراعاة شعور القاتل المفترض، وإذا كانت الروايات حتى هذه اللحظة تؤكد تورط المملكة العربية السعودية بالاستناد إلى الرواية التركية غير الرسمية، فهي لا تعفي أنقرة من مسؤوليتها المعنوية خصوصا وأن الجريمة وقعت على أرضها، وتؤكد تاليا تورط دول كبرى تحابي وتمالىء لتكون حاضرة في تسوية بدا أنها انطلقت وسط مواقف مندفعة في اتجاه كشف الحقيقة من باب الضغط على الرياض لا أكثر.
لقد حذرت السعودية بالأمس من التهديد بمعاقبتها، فيما تزايد ضغط الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة، وألغى مسؤولان تنفيذان أميركيان كبيران مشاركتهما في مؤتمر للاستثمار في الرياض، ودعت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك إلى ضرورة الكشف عن ملابسات اختفاء خاشقجي، وتقول إنها تشجع الجهود السعودية التركية المشتركة في هذا الصدد وتتوقع أن تقدم الحكومة السعودية ردا كاملا ومفصلا، وشددت العواصم الثلاث على ضرورة إجراء تحقيق موثوق به للوقوف على حقيقة ما حدث وتحديد المسؤولين.
لكن الجواب الأبلغ جاء على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، حين قال إن أميركا "ستعاقب نفسها" إذا أوقفت مبيعات السلاح للسعودية بسبب قضية خاشقجي حتى إذا ثبت أنه قتل داخل القنصلية السعودية في اسطنبول!