الانهيار متى وكيف؟ |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- أكرم كمال سريوي
يخطىء من يعتقد أن موضوع الانهيار الاقتصادي في دولة ما، هو أرقام مالية وحسب، فالحقيقة أن السياسة النقدية في العالم هي عملية معقدة ومرتبطة بعوامل عدة غير الأرقام والحسابات التي يرتكز عليها البعض للتنبوء بانهيار مالي أو اقتصادي، ولا يجوز التعاطي مع الدولة كشركة تهدف إلى تحقيق الأرباح لانها سلطة مفوضة من الشعب لإدارة المصلحة العامة وعلى من في السلطة عدم إساءة الأمانة.
لا شك ان لبنان يعاني من أزمة مالية، فالدين العام ارتفع من 3,93 مليار دولار عام 1993 إلى قرابة 81 مليار حالياً، مع توقع أن يصبح حوالي 110 مليار بعد خمس سنوات أي بنسبة نمو سنوية تزيد على 3,9 مليار دولار، وقد بلغت خدمة هذا الدين في موازنة 2018 نسبة 38,2 بالمئة من إجمالي الموازنة، أي ما يقارب نصف موارد الدولة اللبنانية البالغة 12,4 مليار دولار في حين بلغ مجموع الإنفاق 15,8 مليارا، وتلي أجور القطاع العام خدمة الدين بنسبة تبلغ 24,8 بالمئة، وثم الخدمات العامة بنسبة 17 بالمئة في حين تم تخصيص نسبة 4 بالمئة فقط للبنى التحتية، والاهم من هذا كله قطاع الكهرباء غير المؤمنة والتي يخصص لها حوالي 2 مليار دولار سنوياً.
واذا أضفنا تحذيرات صندوق النقد الدولي من تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان والفساد المستشري وغياب الاصلاح، نصل إلى استنتاج واحد ان الانهيار المالي قادم لا محالة.
ولكن اذا أردنا أن نرى الامور بشكل أشمل، نجد ما يلي: 1-ان نسبة الدين العام في اليابان إلى الناتج المحلي بلغت 239 بالمئة، أي أعلى بكثير من لبنان حيث تبلغ النسبة 152 بالمئة وما انهارت اليابان ولو كان الموضوع ارقاماً وحسب لأعلنت افلاسها قبل اليونان الذي بلغ فيه هذا المعدل 181 بالمئة لحظة الافلاس، وكذلك أيضاً لما انهارت العملة في تركيا حيث يبلغ هذا المعدل 42,5 بالمئة، وليس خافياً على الإطلاق ان انهيار الليرة التركية كان سببه الأول معاقبة الرئيس اردوغان على سياساته الداخلية والخارجية، خصوصا تجاه فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وقد شكلت تغريدة الرئيس دونالد ترامب القشة التي قصمت ضهر البعير وقلبت الامور بين ليلة وضحاها. وكذلك انخفض سعر صرف الروبل الروسي إلى اكثر من النصف خلال سنة، وخسر الريال الإيراني 18 بالمئة من قيمته في غضون يومين جراء العقوبات الاقتصادية وإعلان انسحاب اميركا من الاتفاق النووي.
2-ان سعر صرف الليرة في لبنان ثابت ولم يتغير منذ استقراره بعد الحرب رغم العجز وارتفاع الدين والازمات السياسية ولهذا اسبابه. فإن معظم الدين هو داخلي وبالليرة اللبنانية وبنسبة تبلغ 63,05 بالمئة، أما الدين بالعملات الأجنبية فنسبته 36,95 بالمئة، وهذ يعني ان الانهيار سيضر أولاً بمصالح المصارف والمصرف المركزي الذي تبلغ حصته 39,5 بالمئة، من هذا الدين مقابل 45,5 بالمئة للمصارف و15,2 بالمئة للمؤسسات المالية الاخرى، ومن خلفهم كبار المتمولين واصحاب سندات "اليورو بوند" وغيرها من ديون الدولة، وتالياً سيتضرر الموظفون في القطاع العام. ولذلك تسعى المصارف وأصحاب الدين إلى الحفاظ على الاستقرار بقروض جديدة وهندسات مالية وغير ذلك لتدارك الخسارة. ومن جهة ثانية، فإن أحد اهم أسباب الانهيار هي العقوبات الدولية بقرار سياسي والتي تتحكم بها الدول الكبرى عبر عدة وسائل، أهمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركات الكبرى، ويبدو حتى الآن ان هذه الدول قررت مساعدة لبنان والحفاظ على استقراره، وهي أظهرت ذلك في مؤتمر "سيدر" الأخير.
4-تلعب الثقة الشعبية دوراً هاماً في عمليات انهيار العملات، فإذا تهافت المواطنون على شراء العملات الأجنبية وسحب ودائعهم ستصبح دون شك كافة المصارف امام أزمة سيولة حقيقية قد تؤدي إلى الافلاس، ولقد أفلس بنك إنترا اكبر مصارف لبنان بعد ان عجز عن تأمين السيولة اللازمة للمودعين الذين تهافتوا على سحب ودائعهم بسبب شائعة مبرمجة لإفلاسه ورفض المصرف المركزي والحكومة مساعدته آنذاك. وخلاصة القول ان لبنان يعاني من أزمات متنوعة لكنه لن ينهار والليرة ثابتة ولا خوف عليها لان المجتمع الدولي يريد هذا الاستقرار حتى الآن، لكن سيأتي يوم يفرض فيه على لبنان خيارات صعبة سيكون مجبراً على تنفيذها. لذا علينا التنبه منذ الآن واتخاذ خطوات اصلاح جريئة ليس فقط بوقف الهدر والفساد بل بتخفيض عبء القطاع العام والإستثمار في مشاريع إنتاجية وإصلاح النظام الضريبي وبناء المؤسسات وتطبيق سياسة التقشف والإسراع في استخراج النفط، وهكذا نساعد أنفسنا قبل أن نطلب المساعدة من الآخرين وإلّا فالانهيار أمامنا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|