تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
قبل نحو سنتين، وفي حمأة أزمة النفايات، أي قبل أن تتفتق أفكار المسؤولين في حكومة الرئيس تمام سلام على مأثرة طمر الشاطىء في الكوستابرافا – خلدة وتشريع مكب الفضيحة، بادر رجل أعمال (لبناني منذ أكثر من عشر سنوات)، إلى استيراد ثلاث محارق صنفها أحد الخبراء في مجالي البيئة وعلم السموم بأنها "وجاق"، أي أنها لا تنتمي لجيل المحارق الحديثة المتطورة، وكانت ثمة نية لوضعها في الخدمة، علما أن الحديث والمتطور من محارق ليس بعيدا عن استجلاب أخطار أيضا.
كان من المفترض أن تكون مدينة صور حقل تجارب، إلا أن رئيس البلدية المهندس حسن دبوق رفض آنذاك تشغيلها، قبل أن تصدر دراسة علمية حول محرقة ضهور الشوير، إذ تبين أنها من نوع تلك التي تم إحضارها بحسن نية من قبل الوزيرين السابقين الياس أو صعب وفادي عبود، يوم اعتبرا أنه بدلا من أن تنتشر المكبات العشوائية في المتن، وبدلا من حرق النفايات في الهواء الطلق، تكون هذه المحرقة حلا لأزمة، ليتبين لاحقا أن تشغيلها سيكون أكثر ضررا بيئيا وصحيا، وبالفعل طويت صفحة محرقة ضهور الشوير منذ تلك الفترة، بعد سجال طويل بين عبود وخبراء بيئيين ومختصين.
عمليا، ثمة أربع محارق في لبنان تنتظر قرار تشغيلها، إلا إذا كانت ثمة محارق أخرى تم استيرادها كما تم استيراد المحارق الموجودة، أي تحت ستار "فرن صناعي" وفر إمكانية مرورها عبر الجمارك اللبنانية، وتبين لاحقا أن من استقدم المحارق الثلاث متمول ونافذ ينتمي إلى فريق سياسي وازن، لكن مع موجة الاعتراض طويت القضية وما تزال، فضلا عن أن ثمة متمولين كانوا قد شمروا سواعدهم للمضي في صفقات مشابهة، ولقيوا دعما من جهات سياسية.
ما حصل بالأمس في مجلس النواب، ولاقى تنويها من وزير البيئة، ودون الدخول في حيثيات القانونية والتقنية، سيشرع استخدام هذه المحارق الأربع وربما غيرها، فيما سننتظر استيراد محارق جديدة لا تستخدم في بلد المنشأ، ذلك أن آلية تشغيلها أظهرت بالتجربة أنها كارثية، وليس ثمة مبالغة في هذا التوصيف، وربما المواطن لا يعلم أن المحرقة يجب أن تكون مجهزة بمعدات لمكافحة التلوث، ومنها على سبيل المثال المنقيات "فلاتر" لالتقاط الرماد المتطاير للحد من انتشاره في الهواء، فضلا عن أبراج غسيل للغازات مهمتها الحد من انبعاث غازات الاحتراق والمركبات الكيميائية شديدة السمية، التي تتكون أثناء عملية الحرق في الهواء، عدا نواح تقنية أخرى تؤكد حجم الخطر من ناحية التشغيل وعلى العاملين بنحو خاص، ومن ثم على المواطينين في محيط المحرقة.
كما أن ثمة أخطارا لا يمكننا الحديث عنها، وتتطلب الوقوف على آراء الخبراء وذوي الاختصاص، ومنها أن الرماد المتأتي عن الحرق لا يملك لبنان تقنيات لمعالجته، ما يعني تسفيره وسط إجراءات شديدة التعقيد وفق ما أقرته اتفاقية "بازل" بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، ما يؤكد أن رفض البيئيين وأهل الاختصاص للمحارق له ما يبرره بالعلم الصريح والأدلة الدامغة.
نعلم أن الحرق يمكن أن يكون واردا في سياق خطة متكاملة لإدارة متكاملة النفايات الصلبة، تلحظ الفرز والتسبيخ واستعادة ما يعاد تدويره، ليطاول فقط نسبة ضئيلة من المخلفات، وهذه أيضا تتطلب تقنيات عالية، فمن لديه ثقة بأن لبنان في ظل فوضى الإدارة والصفقات والفساد يمكن أن يلتزم الحرق وفقا لقواعد سليمة؟
هذه القضية ستظل مشرعة على الكثير من النقاش والنضال أيضا، خلافا للتنويه الذي طالعنا به وزير البيئة بما اعتبره "إنجازا" بيئيا، كي لا يكون الشعب اللبناني أمام تشريع الـ "هولوكوست"، وفي إبادة جماعية، مع فارق بسيط هو أن المحارق تعني الموت ببطء من خلال ما ينجم عن تلويثها من أمراض ستضاعف الكلفة الاستشفائية، وبما لا يمكن للدولة أن تتحمل تبعاتها المالية والاجتماعية والاقتصادية...
وللحديث صلة!