تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
في ما آلت إليه التطورات الأخيرة بين وزراء " التيار الوطني الحر " و" الحزب التقدمي الاشتراكي " على خلفية إعفاء ثلاثة موظفين يعملون في وزارتي التربية والبيئة ومؤسسة كهرباء لبنان لم تشفع لهم كفاءتهم ومهنيتهم العالية للبقاء في مواقعهم، نكون أمام مفترق طرق، إما العودة إلى أقبية الماضي وليس ثمة رابح في استحضار الغرائز، وإما النظر إلى الحاضر علنا نربح المستقبل، ما يبقينا على قائمة الدول المتحضرة والأمم القابلة للحياة والتطور.
ويبدو حتى اللحظة أن كل الرؤوس حامية، حتى نكاد نشعر أننا نعيش في دولة ميليشيات، ولا نزال نمارس أمراضنا غير قادرين على طي صفحة الحرب، المفترض أنها انتهت إلى غير رجعة، فإذا بها تطل برأسها من جديد، وما القصف السياسي إلا حربا تعبر عن أحقاد دفينة، وكأننا لم نستلهم العبر والدروس مع مئات وآلاف الشهداء والجرحى والمعوقين والمفقودين، ولم ندرك إلى الآن أن أحدا لا يمكنه إلغاء الآخر، ما يقتضي الهدوء والكف عن العبث بمصائر الناس.
من يظن أن لبنان دولة، فإن بعض الظن إثم، لأنه يتأكد يوما بعد يوم أن انتماءاتنا ما تزال تضيق إلى ما "دون دولة"، ولا تزال تحكمنا القبليات العصبية، وليسمح لنا المتهورون أن نقول الحقيقة كما هي، مجردة، ناصعة لا تحتاج تأويلا واجتهادا، "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" تحولا إلى حزبين وتجمعين طائفيين، وإن انضوت في رحابهما قلة توهمت قيما ومثلا وأفكارا ومبادىء، وفي ذلك استسهال لأن الغرائز تجمع وتحشد، فيما إعمال العقل يحتاج إلى مشقة وجهد، إلى فكر تنويري، لا إلى ما يرسخ الانحطاط في لغة شوارعية ينقاد إليها الجميع في لعب صريح بالنار، ومن يظن أننا محصنون في وجه نزواتنا فهو مخطىء والحرب ماثلة في لعبة مستمرة قد تفضي في لحظة تخلٍّ إلى ما يقوض سلما لم نعرف كيف نحافظ عليه، وكيف نحصنه بأهداب العيون.
ومن يراهن على الجيش اللبناني فيما يوزع أحقاده يمنة وشمالا، فلا يعلم أن الجيش بحاجة إلى تكاتف جميع اللبنانيين، لا إشغاله بفوضى لن تجر سوى الفوضى، ولا نزال إلى الآن نملك هامشا كبيرا من الخيارات لعقلنة خطابنا السياسي، وإلا فإننا سائرون إلى ما يشعل أتون حرب اكتشفنا أنها لم تنتهِ وحاضرة في المواقف بين ماض باق ومستقبل يضيع!