تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
انتشار الأحزاب السياسية في لبنان تحول ظاهرة أقل ما يقال فيها انها "غير صحية"، فمن آن لآخر تطالعنا أحزاب بمواقف وبيانات ونحن نسمع بها للمرة الأولى، وتحمل أسماء فضفاضة، من "الحرية" إلى "العدالة" و"الديموقراطية" وصولا إلى "الوطنية" و"اللبنانية" و"العلمانية" وغيرها الكثير من مفردات غدت في حالتنا اللبنانية شعارات جوفاء لا تؤتي ثمارا، وأقصى ما نراه يكاد يُــــختزل بالبحث عن منبر، ولا نعمم كي لا نظلم، وإنما نتحدث عن ظاهرة تؤكد كم يشهد الواقع السياسي براهنيته من تفسخ، خصوصا عندما تنمو الأحزاب كالفطر، ولا ننسى أن بعض الفطر سام.
هي فوضى، ولا بد من التنظيم دون تضييق على الحريات العامة، لأن المطلوب قيام أحزاب ترفد الحياة السياسية بحيوية مفقودة، لا أن تضيف إلى مشهدية التفسخ والتحلل ما يعمق معاناتنا أكثر، نريد أحزابا قادرة على إحداث صدع في بنية النظام السياسي الطوائفي، أحزابا علمانية تغتني بموروث الدين ولا تندفع نحو تبني فكرة ثيوقراطية، فيما نعيش ثيوقراطيات أحزاب يستحضر بعضها أو جلها الدين كمكون أساس في توجهاتها، وإن تلطت بالـ "وطني" من شعارات، غير أن التجارب أكدت أنها معطلة للتقدم والطور.
ومن ناحية ثانية، لا يمكن للأحزاب الطائفية أن تطور خطابها طالما بقيت ساحة الصراع محكومة بوحدانية "التوجه الإلهي"، ما يؤكد أن ثمة حاجة لأحزاب تنافس تلك القائمة المستأثرة بمقدرات البلاد والعباد، وإلا سنظل محكومين ببلادة الفكر والثقافة، وسنبقى أسرى خطاب يكرس أكثر التبعية بدلا من الانتماء في مداه الإنساني الحاضن لقيم إنسانية، أسرى التعصب بدلا من الوعي، والاستئثار بدلا من المشاركة، وهذه جميعها بعض إشكاليات واقعنا اللبناني المتصدع، بحيث أنه مع "أحزاب اللون الواحد" نكون في قارب بلا شراع، تتقاذفنا الأهواء والمصالح الضيقة.
إن ما نشهده راهنا في سياق أزمة تشكيل الحكومة غير منفصل عن هذا الواقع المتداعي، طالما أن ثمة حصرية لأحزاب تمثل طوائف لا وطنا ذات سيادة تسوده العدالة والمساواة، محصن بديموقراطية لا يصادرها التوافق، حتى أننا لنحار في التوصيف بين أحزاب الطوائف وطوائف الأحزاب.
ما نراه اليوم لا يعدو كونه عبارة عن "تفريخ" أحزاب لا تقدم إضافة نوعية في حاضرة العمل السياسي العام، ولذلك فهي مرحب بها من قبل السلطة السياسية، لإيهامنا أننا بلد يعيش في جنة ديموقراطية من جهة، ولتبقي حضورها الطاغي من جهة ثاية، فهذه الأحزاب الناشئة تمثل خدمة لأحزاب رسخت حضورها في مفاصل الدولة... وصادرتها!