تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضــو
ما نواجه اليوم من شلل وجمود وركود أبعد من توصيفه بأزمة تشكيل حكومة، وبخلافات على الحقائب والأحجام والأدوار، وعلى السياديِّ من الوزارات. وما نواجه اليوم أيضا أكبر بكثير من أزمةٍ عاصفة وتعبر، فهذه أدنى الأزمات وأقلها وأصغرها، وهذه تجلٍّ للمتواري من أمراض، وإفلاس ما بعده إفلاس وتجديف في تراب الأزمة الحقيقية، ألا وهي أزمة الكيان، وأزمة الهُـــوية والانتماء.
لبنان على حافة الإفلاس السياسي، أقصى ما حققه من "الطائف" إلى الآن "ثبات سعر صرف الليرة" وهذه تمثل فضيحتين، الأولى حصر الاهتمام برفد الليرة باحتياطي العملة الصعبة في اقتصاد ينازع، والثانية تعبر عن إشكالية بررت التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، أي ربط اقتصاد وطن بشخص، بغض النظر عن مكانته وحضوره وقدرته على "هندسة الاقتصاد" والحفاظ على الاستقرار النقدي.
لم يعش لبنان يوما استقلالا حقيقيا وناجزا، وإن بدا الأمر غريبا لكثيرين، فجمهوريات الموز مستقلة أيضا، والاستقلال بمضامينه الحقيقية لم يتكرس يوما تصالحا وطنيا بمعزل عن الخارج، منذ سفير مصر في لبنان اللواء عبد الحميد غالب خلال الحقبة الناصرية، إلى غازي كنعان ورستم غزالة بالأمس القريب، وبينهما تدخلات وتداخلات لم يكن في منأى عنها الفرنسي والأميركي والعراقي والسوفياتي (سابقا) والسعودي والقطري، وثمة رؤساء لبنانيين صنعوا في الخارج وحكومات أبصرت النور بتوقيع إقليمي ودولي، ولا شيء سيتغير راهنا ومستقبلا.
وسط كل ذلك، نعيش في وهم حضور ملتبس، دأبنا الإعلاء الوهمي للذات، لأننا لا نملك ما يرسخ حقيقة أننا وطن ذات سيادة، ولما نزل ننتظر إملاءات السفارات ودبلوماسية شوهاء تؤكد تبعيتنا للشرق والغرب، وشرعنا للبعيدين والأقربين تدخلهم ليصوغوا توازنات الداخل انطلاقا من مصالحهم، وإن تغير اللاعبون فالنتيجة واحدة، أي المزيد من الانغماس في أزماتنا الدائمة وخيباتنا الماثلة كسيف مسلط وقدر محتوم.
هذا التاريخ المترنح بين الخوف من الشريك الداخلي والاستقواء بحلفاء الخارج لا ينتج وطنا، لا ينتج حكومة ولا يفضي إلى أمل أن نكون يوما مستقلين، أما حروبنا الزائفة فقابلة للاشتعال عند أي منعطف ومع أي خطوة ناقصة، وكل الخوف يظل ماثلا عندما نرى أن جُل المسؤولين يسيرون مترنحين... وعلى حافة الهاوية!