| تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
الوزير السابق سجعان قزي لـ "الثائر":
تأليف حكومات تَوافق يعني غيابَ التوافق وإلا لكانت الأكثرية تحكم والأقلية تعارض
نحن مختلفون على نفايات لبنان مثلما نحن مختلفون على مصيره.
طائف واحد خربنا، فكيف بطائف ثان؟
أتمنى لحزب الكتائب أن يستعيد دوره وانتشاره لأنه ضروري للمسيحيين وللبنان
تجربة الكتائب مع المجتمع المدني فاشلة لأن هذا المجتمع فاشل
السياسة في لبنان ليست عِلمَ المصير بل علم المصالح
العظماء كبشير لا يولدون كل يوم، التافهون يولدون يوميًّا وَهاكُمْ النماذج.
موقع "الثائر" حالة وطنية وأخلاقية جديدة في الإعلام اللبناني
خاص - "الثائر"
وضع الوزير السابق سجعان قزي الإصبع على جراح أزمات لبنان الماثلة كقدر لا فكاك منه، وما تحمل من وجع دائم يطاول حاضرنا القاتم ويستهدف مستقبلا، ربما يكون أشد قتامة أيضا، ولعل أهم تجليات هذه الأزمات تعثر تشكيل الحكومة، وهي ليست أكثر من بعض عوارض متأصلة، وإلا كيف نفسر عجز السلطة السياسية عن مواجهة الاستحقاق الحكومي بما يؤمن بعض استقرار لبنان السياسي والاقتصادي؟
وإذا كانت الأسئلة كثيرة تستحضر واقعا مأزوما، ماضيا وراهنا، فيبقى أهم ما أشار إليه "الكتائبي السابق" هو أن "الصيغة اللبنانية بحاجة إلى شعب يتمتع بمستوى حضاري آخر يؤمن بها، وأن مكونات لبنان لا تؤمن بهذه الصيغة"، لا بل أبعد من ذلك، فقد شخص قزي جانبا من أزمات لبنان بأن "اللبنانيين بقدر ما هم أذكياء في العلم والثقافة والحضارة والشعر والطب والأدب هم فاشلون سياسيا".
في حوار أجراه معه "الثائر" بدا قزي محلقا في فضاء تجربته السياسية كسياسي مخضرم يرى الأمور بعمق هذه التجربة، وبثقافة واسعة في مداه الإنساني أولا، والسياسي تاليا، ومن هنا جاء الحوار حاملا نبض اللحظة وهواجس ما بعدها.
وفي ما يلي نص الحوار:
الثائر: بدايةً، هل يمكن اعتبار الطلاق مع "الكتائب" طلاقا مارونيا أم ثمة إمكانية لتسوية ما خصوصا وأنكم من الرعيل الذي واكب المؤسس وكنتم في طليعة القيادات الكتائبية؟
قزي: وجودي في "حزب الكتائب" كان أهم مرحلة في حياتي، مثلما كان وجودي في "القوات اللبنانية" التي كنت أحد مؤسّسيها مع الرئيس بشير الجميل والرفاق. في "الكتائب" بلغتُ منصبَ نيابة رئيس الحزب حين كان رئيسه الشيخ أمين الجميل، رئيس الجمهورية السابق ومثلته في الحكومة مدة لاث سنوات تقريبا. هذه المرحلة انتهت. ومنذ أن تركت الحزب آليتُ على نفسي ألا انتقد الحزب الذي بقيت فيه 50 سنة، لا بل من لحظة ولادتي لأن والدي كان رئيس "الكتائب" في فتوح كسروان، وكان مؤسس أول قسم كتائب في المنطقة. وأتمنى لهذا الحزب أن يستعيد دوره وانتشاره لأنه ضروري للمسيحيين وللبنان. أعطت الكتائب لبنان كثيرًا، فخلال 80 سنة دافعت عن لبنان حين تخاذلت الدولة وأعطت رئيسين للجمهورية وقدمت نحو 10 آلاف شهيد، لكنه هو لم يكن شهيدًا. وكانت أعظم حزب مسيحي في الشرق الأوسط. رئيسه المؤسس، الشيخ بيار الجميل، نقل الحياة السياسية في لبنان من العائلية التقليدية مع وجه إقطاعي إلى الحزبية الحديثة مع وجه عائلي.
"الثائر": كيف تقيّم تحالفات حزب الكتائب؟
قزي: تحالفات الحزب في السنتين الماضيتين لا سيئة ولا جيدة، فليست موجودة أصلا. مشكلة الحزب أنه قطع جسور علاقاته مع حلفائه الطبيعيين، من دون أن ينجح بإقامة علاقات مع من اعتقد انهم حلفاء جدد، أي المجتمع المدني وهو حراك فاشل كشف أن المجتمع المدني لا يقل سوءا عن الطبقة السياسية القائمة منذ التسعينات.
"الثائر": هل ثمة إمكانية لاستعادة مكانة الحزب؟
قزي: لا أحد يموت في السياسة قبل أن يموت. طالما الرجل السياسي أو الحزب السياسي موجود وفيه نبض، النهوض ممكن. لكن لننتبه، الأحزاب مثل الأشخاص تولد وتموت لاسيما إذا لم تتحصن وتنجح في مقاربة القضايا الوطنية. وبالنسبة لحزب الكتائب الذي هو حزب مسيحي، ويجب أن يبقى كذلك أكثر من أي وقت مضى، فهو يؤمن بالقيامة، إلا أن القيامة تحصل عادة في اليوم الثالث.
"الثائر": كيف ترى تقدم "حزب القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" إنتخابيا؟
قزي: الواضح هو أن هذين الحزبين تخطيا "حزب الكتائب" على الصعيد الشعبي، وظهر ذلك في الانتخابات النيابية. طريق استعادة "حزب الكتائب" وضعيته الشعبية ومستقبله معروفة وقد سلكها طوال مسيرته التاريخية. المهم أن يعود إليها.
"الثائر": قيل إن وزراء ونوابًا كتائبيين سابقين منعوا من حضور اجتماعات المكتب السياسي، لماذا؟
قزي: ربما الاعلام ضخّم الأمور، فَهُم لم يُمنعوا، ذلك أن النظام الداخلي الجديد للحزب، خلافًا للنظام السابق، لا يعتبر الوزراء والنواب السابقين أعضاء حكمًا في المكتب السياسي. وقد يكون المكتب السياسي ليس بحاجة إليهم، فبين أعضائه شخصيات مهمة جدًّا تعوّض عن الذين يتمتعون بالتجربة. فاقتضى إبلاغهم بعدم الحضور.
"الثائر": هل تحكم بالإعدام على الحزب بسبب انعدام التجربة؟
قزي: طبيعي أن يحاول الشيخ سامي الجميل الرئيس الشاب أن يطعم الحزب بعناصر شابة تربطه بها علاقات "جيلية"، المهم ألا يؤثر هذا التطعيم على مسيرة الحزب، فالحزب هو حزب أجيال عديدة ولا يجوز أن يختصر بجيل واحد. والمكتب السياسي يضم كل الأجيال حاليًّا.
"الثائر": وماذا عن دور الشيخ أمين الجميل بالنسبة للشيخ سامي؟
قزي: لا أسمح لنفسي الدخول في العلاقة بين الأب والابن، لست الروح القدس. يجب احترام الخصوصية.
"الثائر": كيف ترى إمكانية خروج لبنان من أزمته الحكومية؟
قزي: التعديلات الدستورية والأعراف الجديدة بعد اتفاق الطائف شاءت أن يكون تأليف الحكومات خاضعا لمنطق غريب عجيب هو مبدأ التوافق، وحين تقول "توافق" فذلك يعني عدم الحسم، وعدم الحسم يعني المماطلة، والمماطلة قاتلة. بعد خروج السوريين الذين كانوا يفرضون الحكومات، صار تأليف الحكومات يستغرق أشهرًا طويلة. هذا النمط لا يتجانس مع الديموقراطية المستقيمة ويكشف هشاشة وحدتنا. فالحرص على تأليف حكومات بالتوافق يعني أنه لا يوجد توافق، فلو كان هناك توافق وطني لما كنا بحاجة إلى توافق حكومي. كنا لنكتفي بموالاة تحكم ومعارضة تعارض كما هي حال كل ديمقراطيات العالم. لكن عدم وجود وحدة وطنية وتعددية الولاءات، أضعفت النظام اللبناني وهمشته. والحكومة اليوم تدفع ثمن كل هذه التناقضات الموجودة، صحيح أن المسؤولية تقع على رئيس الجمهورية وعلى الرئيس المكلف، ولكن الرئيسين سجينا مفهوم تأليف حكومة توافق. فكيف يؤلّفا حكومة توافق والمكونات اللبنانية مختلفة على جميع القضايا، الصغيرة بسبب الرغبة في المنفعة والمحاصصة والكبيرة بسبب الولاء للخارج. فنحن مختلفون على نفايات لبنان مثلما نحن مختلفون على مصيره. والغريب أن أحدا لا يجرؤ على طرح موضوع مصير لبنان أو إعادة النظر بالنظام اللبناني، أنا كتبت مقالات عدة وألفت كتبا وألقيت محاضرات أدعو فيها إلى إعادة النظر بهيكلية الدولة اللبنانية، الدولة الحالية عاجزة عن الاستمرار.
"الثائر": هل ثمة حاجة لـ "طائف جديد"؟
قزي: طائف واحد خربنا، فكيف بطائف ثان. يجب أن يعيد اللبنانيون النظر ليس في لبنان ما بعد الطائف فحسب، بل بلبنان بعد العام 1920. هذه التجربة التي نحتفل بذكراها اليوم هي أنبل وأعظم التجارب في العالم، أكان من الناحية الإنسانية أو الدستورية، ولكنها فشلت لأنها لم تقع على أرض خصبة. ومنذ العام 1958 ونحن نحاول إخفاء المرض الخبيث الذي أصاب الصيغة اللبنانية، وتحاشنا استنتاج العبر. وحده بشير الجميل قال شنة 1976 إن الصيغة اللبنانية ماتت ووضعنا حرّاسًا على قبرها لكي لا تقوم في اليوم الثالث. ولكن هذا الأمر لم يجد ترجمة. والمؤسف أن اللبنانيين بقدر ما هم أذكياء في العلم والثقافة والحضارة والشعر والطب والأدب، هم فاشلون في السياسة لأن السياسة بالنسبة للطبقة السياسية ليس علم المصير بل علم المصالح. حين فتحت خطوط التماس بعد الحرب والتقى اللبنانيون مجددا ظننا أن الصيغة قامت من الركام لأن اللقاء العاطفي لم يجد ترجمة وطنية بعد. النجاح الأمم لا يترجم إلى موائد الطعام وفي المناسبات الاجتماعية ولا على الطرقات، إنما في الدولة. مهما بلغت قوة أي رئيس للجمهورية لا يستطيع تغيير الوضع من دون إعادة النظر في الصيغة اللبنانية. الصيغة اللبنانية الحالية بحاجة إلى شعب يتمتع بمستوى حضاري آخر، وإلى مكونات لبنانية تؤمن بهذه الصيغة. سابقًا آمن المسيحيون بها، لكنهم اليوم كفروا بها. أما المسلمون سواء كانوا شيعة أو سنة أو دروزا فغير مؤمنين بالعمق بصيغتها الدستورية وإن كانوا صادقين في تحولاتهم اللبنانية. إن شعار لبنان أولا، ولبنان وطني نهائي، وأغاني فيروز، شعارات تحتاج ترجمة على الأرض، الدرزي لا يزال يحن إلى إمارة الجبل وهو على حق لأن صيغة 1943 هضمت دوره التاريخي، والشيعي بأكثريته يؤمن بالمشروع الإيراني الخميني رغم كل الشهداء الذين قدمهم في سبيل تحرير الجنوب، والسني الذي قام بنقلة نوعية إيجابية تجاه لبنان لا يزال يتأثر بما يتبلغه من دول الخليج.
"الثائر": هل هذا يعني أن لبنان محكوم بالموت؟
لا أقول أن لبنان محكوم بالموت، ولكنه محكوم بإجراء هندسة جديدة لدولته. "هيك ما فينا نكمّل المشوار". والمؤسف أننا في أحلك ظرف تاريخي نمر فيه ابتُلينا، بأسوأ طبقة سياسية. وعوضا عن أن تُقدِم هذه الطبقة على إحاطة نفسها بشخصيات وكفاءات فكرية وأدبية وتاريخية وسياسية وقانونية تعوض عن جهلها وأميتها السياسية والوطنية، تحيط نفسها بأشخاص أكثر سوءا وتخلفا، ومن ثم نسأل لماذا الوضع الذي نعيش فيه بهذا السوء.
"الثائر": هل ثمة نصيحة لفخامة الرئيس؟
قزي: لا أسمح لنفسي بإعطاء نصائح لرئيس الجمهورية، فهو ينصحنا. أليس هو من قال إنه "بيّ الكل"؟ وأساسًا أعتقد أن رئيس الجمهورية لا يأخذ بما يسمع.
"الثائر": هل يمكن لشخص مثل الشيخ بشير أن يقوم بعملية إنقاذ؟
قزي: لو كان يولد كل سنة شخص مثل الشيخ بشير، لا يعود الشيخ بشير هو الشيخ بشير. هذا عظيم مرّ في تاريخنا كما مر ديغول في فرنسا، وعبد الناصر في العالم العربي. العظماء لا يولدون كل يوم. التافهون يولدون كل يوم ولدينا منهم نماذج.
"الثائر": كيف ترى تجربة "الثائر" الفتية؟
قزي: سررت بالنجاح السريع لـ "الثائر". في البداية كنت أطلع عليها رفع عتب بحكم صداقتي للناشر الصديق فادي غانم ، ولكن مع مرور الأيام والأسابيع، بدا أن ما كنت أعتبره أمرا عابرا، أصبح ثابتا، وتحول من محاولة إلى واقع فرض نفسه على الإعلام الجديد والمرتبط بالإنترنت والواقع، أتمنى أن يحافظ موقع "الثائر"، لا على حياديته فلا حياد في القضايا الوطنية، إنما على موضوعيته وجرأته. الإعلام اللبناني يحتاج إلى تهذيب وأخلاق، هناك نقص بالأخلاق في الإعلام اللبناني، وموقع "الثائر" هو موقع أخلاقي ووطني ومهذب.
****************
