تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
يبدو أننا محكومون مرة جديدة بانقسام يعيدنا إلى مرحلة صعبة بدأت عشية الانسحاب السوري من لبنان، بين 8 و14 آذار، علما أن هذا الانقسام ظل يعبر عن نفسه في مراحل عدة، دون إيصال البلد إلى حافة الهاوية، على غرار ما شهدنا من توترات واشتباكات، في مشهد أعاد التذكير بالحرب الأهلية مع تحريك القوى السياسية لشارعين وحشد تظاهرات مليونية، بدا خلالها الناس مجرد أعداد توظف لصالح أجندات خارجية.
في تلك الفترة صودر لبنان وعشنا مرحلة من "النكد السياسي" مع تبني سياسات متهورة جرى تزيينها بـ "الاستقلال" و"الممانعة"، بين من هلل لخروج سوريا ومن وجه رسالة "وفاء لجيشها"، وشهدنا حلقات "توك شو" تلفزيونية تخللتها شتائم من العيار الثقيل و"ضرب بالكراسي" في أسوأ ما يمكن أن يصل إليه بلد في العالم من تشرذم وتفسخ وانحدار في مستوى التخاطب وانعدام القيم والمناقب.
وبدأ المولجون حل أزماتنا ينظِّرون انطلاقا من اعتبارات لا تمت إلى الواقع بصلة، وهم أساسا أخذوا البلد إلى ساحة الصراع الإقليمي، بين من يقول بانتصار محور الممانعة (حزب الله وحلفاؤه) وبين من يتوجسون من دور إيران في المنطقة (تيار المستقبل وحلفاؤه)، وعادوا لينتظموا في مواقف "آذارية" لم تفض سابقا ولن تفضي اليوم إلا لمزيد من الانقسام وتعطيل الحياة الاقتصادية وشل البلد في مختلف مرافقه وقطاعاته، وتأجيل حل المشكلات الضاغطة من النفايات إلى التلوث وتفاقم الأزمة المعيشية.
وكان موقعنا "الثائر" althaer.com قد حذر قبل نحو أسبوع من سيناريو مستعاد عاشه لبنان قبل سنوات عدة وأفضى إلى "اتفاق الدوحة" في أيار (مايو) 2008، وهذا ما بدأت ترتسم معالمه اليوم، مع دعوة الرئيس العماد ميشال عون المتوقعة في الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل لعقد طاولة حوار مع أطراف الأزمة، ومثل هذه الدعوة على أهميتها لن تفضي إلى أية نتائج، باستثناء تبريد الساحة الداخلية والإيحاء بأن الأمور ممسوكة، للتغطية على تنامي الصراع الداخلي بين فريق 8 آذار وفريق 14 آذار، وقد بدأنا نشهد "نيولوك" سياسي عنوانه الانقسام ذاته الذي عطل الحياة السياسية والاقتصادية لأكثر من سنة.
وإلى أن ترتسم معالم تسوية جديدة، لن تكون روسيا في منأى عنها، سنظل محكومين بـ "النكد السياسي" إلى أمد قد يطول في انتظار مستجدات الصراع في المنطقة بين القوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة وخلفهما إيران والسعودية ودول الخليج، خصوصا وأن ثمة معطيات تؤكد أن حربا على الأبواب قد تكون ساحتها سوريا، فيما لبنان لن يكون في منأى عن تهديداتها إن لم يكن في صلب هذه الحرب وأحد ساحاتها في ما اشتعلت على إيقاع قرع الطبول وقد بدأ يعلو أكثر من أي وقت مضى.