تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
كتب د. ميشال الشمّاعي على موقع "القوات اللبنانية" يقول:
تعيش اليوم الجمهوريّة اللّبنانيّة حال انفصام ناجم عن تبدّل نظرة بعض الساسة فيها إلى ما كانوا يعتبرونه ثوابت. والأكثر من ذلك شهدت هذه الثّوابت عمليّة انقلاب كامل على كلّ ما آمنوا وبشّروا به طوال عقدين ونيّف من الزّمن، حتّى بات الشّعب اللّبناني يعيش في زمن انفصامٍ سياسيٍّ يكاد لا يصدّق ما يراه أو يسمعه من هؤلاء البعض.
في 24 أيّار الماضي تمّ تكليف الرّئيس الحريري بتشكيل حكومة العهد الأولى كما تمّ تسميتها، وذلك بعد الانتخابات النيابيّة. وانقضى شهران حتّى اليوم، وما زالت العقد التي تعيق عمل الرّئيس المكلّف تتفاقم أكثر فأكثر. والمضحك المبكي في هذه الظّروف تذاكي بعضهم ومحاولة التفافه على الدّستور والاعراف القائمة، وذلك من خلال الحديث عن مهل للتّكليف. ومن المتعارف عليه أن لا يوجد أي مادّة في الدّستور اللّبناني تحدّد للرّئيس المكلّف مدّة زمنيّة للتّكليف. لا يا سادة، الدّستور ليس محكومًا بمدى نفاذ صبر البعض أو بطول أناتهم يوم أعاقوا تأليف الحكومة لأشهر كرمى لعيون توزيرهم شخصيًّا. لماذا لا يقبلون لغيرهم اليوم ما ارتضوه لأنفسهم بالأمس؟
كذلك يُقحِم نفسه هذا البعض في حدائق الآخرين الخلفيّة. يسعى إلى استيلاد كتل نيابيّة بهدف توزير متزعّميها، وذلك بحجّة التنوّع في الطّائفة الدّرزيّة. والمعلوم أنّ كتلة جنبلاط هي التي تركت مقعد عاليه شاغرًا لإدخال المير إلى النّدوة النيابيّة. وهذا التنوّع نفسه لم يرده هذا البعض يوم رشّحوا الرّئيس ميقاتي وضربوا بعرض الحائط التّمثيل السنّي ليحكموا أكثر من ثلاث سنوات لكأنّ شيئًا لم يكن. أين مبدأ احترام التعدّديّة والتنوّع حينها؟
هذه مسألة واحترام توقيع هذا البعض الشّخصي شيء آخر. لقد نكث حتّى بتوقيعه على اتّفاق معراب ولم يحترم آليّة التّمثيل التي أرساها هذا الاتّفاق طوال فترة العهد بعد أن كان هذا الاتّفاق صانع هذا العهد. مع العلم أنّ هذا الاتّفاق أشار إلى أنّ الحصص توزّع بين القوّات وحلفائها، والتيّار وحلفائه مناصفة. حتّى الحلفاء المفترضين معه لم يقم لهم أيّ اعتبار. فهل سيأخذ بعين الاعتبار خصمه التّاريخي بعد أن أخذ منه ما يريد؟
يطالبون حينًا بقبول نتائج الانتخابات من دون الانقلاب عليها ويتناسون يوم قدّموا استقالتهم بالجملة من حكومة الرّئيس الحريري لاسقاطها بتاريخ 12 كانون الثاني 2011، في محاولة للإنقلاب على نتائج الانتخابات النيابيّة في العام 2009. هل من الممكن بعد تصديق هذا البعض والايمان بما يطرحه خدمة لمصالحه الفرديّة على حساب المصلحة العامّة؟
إضافة إلى ذلك كلّه، يطالبون اليوم بحصّة لرئيس الجمهوريّة غير حصّة تيّاره في الحكومة المنتظرة مغفلين كيف انتقدوا الرّئيس سليمان في أثناء تولّيه سدّة الرّئاسة الاولى، ومطالبته بذلك في محاولة منه لتعزيز موقع الرّئاسة. والحجّة وقتذاك كانت بغياب النّصّ الدّستوري. فهل تمّ استحضار هذا النّصّ اليوم ليصار إلى تطبيق هذا المبدأ في تشكيل حكومة العهد الاولى؟
الموضوع ليس مهلة تأليف ولا حرص على التنوّع ولا حصّة رئيس جمهوريّة ولا احترام نتائج انتخابات نيابيّة، الموضوع المطروح اليوم تبديل صورة وهويّة وطن الارز، وطن ال 10452كلم2 وتحويله إلى شركة مساهمة عائليّة لاستثمار ما تبقّى فيه من ثروات عامّة لتضخيم الثروات الخاصّة.
والأخطر من ذلك كلّه، أنّ هذا البعض تحوّل من حيث لا يدري إلى أداة بيد بعض آخر لتغيير النّظام بأكمله وتحويله إلى نظام توتاليتاريّ يستمدّ قوّته من عدديّته وليس من تعدديّته. هل يعلم هذا البعض أنّه بسياساته الانفصاميّة هذه بأنّه يقدّم للعدوّ ما لم يستطع أن يحصل عليه بأشرس حروبه على طبق من فضّة؟ إذا كان يعلم هذه مشكلة كبيرة، أمّا إذا لم يكن على علم بما تقترفه يداه فعلى لبنان السلام.
المصدر: https://www.lebanese-forces.com/2018/07/20/time-of-schizophrenia/