تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
تشريع زراعة نبتة الحشيشة لأغراض طبية، واستحضار ما قالته صحيفة "الغارديان" البريطانية من أن هذا النوع من الزراعة يدر على لبنان الأموال، لن يغير شيئا، فالحشيشة جزء من تراث سياسي وزراعي عريق، وثمة مسؤولون راحلون كانوا رواد هذه الزراعة.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان البقاع يشهد عمليات تصدير واسعة للحشيشة اللبنانية، عبر "مهابط" طائرات عمودية، حتى أن الأميركيين يصنفون إنتاجنا اللبناني على أنه الأكثر جودة، وأطلقوا على الحشيشة الوطنية Red Lebanese، وهي الأغلى بسبب جودتها هذه.
إن تم تشريع زراعة الحشيشة أم لا؟ فلا شيء سيتغير، باستثناء أن زراعتها لن تكون موضع ملاحقة ومساءلة غالبا ما كانت تطاول مزارعين صغارا "لا ظهر لهم"، أي أن الفساد لم يبقِ باباً لم يطرقه، وهو متجذر تاريخيا في بنية الدولة، في مختلف القطاعات والوزارات.
إذا ما نظرنا سريعا إلى سياسة الدولة منذ قيام لبنان ككيان مستقل، نجد أنها لم تضع الأرياف والمناطق النائية على أجندة مشاريعها، ولا نزال كلبنانيين نمارس نوعا من الفوقية المريضة، كأن نقول أن " الكهربا وصلت على الهرمل وعنا ببيروت مقطوعة"، للدلالة على حجم المشكلة، وكأن أبناء الهرمل والقاع واللبوة مواطنون درجة ثانية، علما أن أبناء البقاع في المناطق النائية والبعيدة، عوضوا من خلال زراعة الحشيشة إهمال الدولة التي لم تكن يوما قادرة على حماية إنتاجهم الزراعي من البطاطا والخضار والفاكهة.
من هنا، المشكلة ليست في تشريع زراعة الحشيشة، لا بل هي أبعد بكثير من ذلك، ولا يمكن معالجتها وفق شعار تشريع زراعتها لأغراض طبية، وإنما من خلال تعزيز حضور الدولة عبر تكريس إنماء متوازن، فعلا لا قولا، يساوي بين كافة مناطق لبنان، وبين سائر أبنائه، وباختصار مشكلة لبنان حيال كل مظاهر الفساد والفوضى أبعد من زراعة صنف بعينه، هي مشكلة "تحشيش سياسي"، بمعنى أن ينتشي المسؤول – دون حشيشة – بموقع وزعامة!