تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
تذكرنا تغريدات المسؤولين اللبنانيين على "تويتر" بما قاله الشاعر والأديب المصري الراحل زكي مبارك (1892-1952) في إحدى قصائده:
"يغنّي الراد في مسي وصبح
غناء ذاك أم هذا نعيبُ"
المعروف أن التغريد لا يمكن إلا أن يكون جميلا، فـ "الطائر الغرِّيد" في المعاجم العربية يعني "مطرب عذْب الغناء"، ومن هنا قولهم "غرد الإنسان"، أي "رفع صوته بالغناء وطرَّب به"، وبما أن أهل السياسة في لبنان باتوا "مغردين" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، فصار لزاما علينا ضبط بعض مفردات اللغة العربية، لأن ما من مسؤول في لبنان يغرد، ولا نتوقع أن نسمع تغريدا حقيقيا فيما واقعنا السياسي مأزوم، وما "تصدح" به الحناجر هو أقرب ما يكون إلى "الزمجرة" و"الفحيح" و"الصراخ" والعويل"، ولا أثر فيه لتغريد وتطريب.
من المفترض على المكاتب الإعلامية التابعة للمسؤولين في لبنان أن توحد في ما بينها مفردة واحدة وإزالة "التغريد" نهائيا من قاموس التخاطب والتراشق، فليس ثمة ما هو أصعب من استخدام مفردة جميلة في القصف والتشاتم، فماذا يمنع من استخدام "النعيب"، والقول إن فلان "نعب" قائلا، وإذا كان النعيب صوت الغراب، إلا أن كثيرين يطلقونه على صوت البوم وهو "النعيق" كخطأ شائع.
بين النعيق والنعيب يبقى الشؤم القاسم المشترك بينهما، فالبوم ارتبط في الميثولوجيا العربية بالخراب واليباب والمطارح المهجورة، علما أن الموروث العربي ظلم البوم باعتباره من أهم الطيور الصديقة للبيئة، فيما مجدته حضارات أخرى واتخذته شعارا وتميمة، أما الغراب فيعد من أذكى الكائنات على وجه الأرض، وهو قادر على حل بعض المسائل الحسابية.
لم يشهد لبنان منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إلا الخراب والدمار كفعل مباشر في زمن الحرب، أو فعل متوار في زمن السلم، فأزماتنا كافة هي خراب قائم أو مؤجل، من التلوث إلى النفايات وصولا إلى تدمير معالمنا الطبيعية، جبلا وشاطئا، والخلاف على تشكيل الحكومة يتأتى منه خراب يستهدف اقتصادنا ويبقى مستقبلنا مشرعا على المجهول، وبالتالي لا يصح التغريد، بل الأجدى منه البكاء على ما نحن فيه.
لا نملك إلا أن نردد مع الشاعر المصري: "غناء ذاك أم هذا نعيبُ"!