تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
ثائر -
تتجلى قمة الفساد في النظم التي تدعي الديموقراطية شعارا لا أكثر، وتتمظهر على نحو مريب عندما تتحول المراكز والمواقع حصصا بين الطوائف وممثليها الحصريين، وهذا حال الحكومة التي يُنظر إليها ليس كسلطة تنفيذية مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وإنما باعتباره في أحسن الأحوال "كعكة" تتوزعها القوى السياسية في ما بينها، وما شهدنا ونشهد من شد حبال، كان على الاستئثار بالحصص، لا على التنافس من أجل النهوض بالبلد من كبواته وعثراته على مختلف المستويات.
وفق هذا المنطق، لم تعد الوزارات هيئات مستقلة مهمتها إدارة شؤون البلاد، لا بل أضحت جزءا من حصة زعيم، والوزير التابع لا يعول عليه، لأنه جزء من مكونات سلطة لا تخضع لمعايير وطنية في إدارة منظومة الدولة السياسية والإدارية، والتبعية تعني الولاء لمراكز القوى، والمعيار الطائفي مهما جرى تجميله وتسويقه بشعارات رنانة، يبقى مجلبة للفساد، فآلية تشكيل الحكومة تتحول جزءا من ممارسة حكومية شوهاء، وهذا ما يفسر عجز الدولة عن حل مشكلة لا يتطلب حلها أكثر من قرار سياسي غير خاضع لإملاءات ذوي الشأن.
في لبنان فقط يتقاسم الزعماء الحكومة ويصبغون الوزارات بلون الطائفة، وإذا ما كان ثمة انتقاد لوزارة مرتكبة ومقصرة، فذلك يعني تلقائيا أن هناك من يحيك مؤامرة تستهدف طائفة الوزير وتياره السياسي، أما الدعوة لمحاسبة وزير عجز عن إدارة وزارته والمطالبة باستقالته، فذلك "خط أحمر"، لأنه يخل بالتمثيل الطوائفي داخل الحكومة، فهل ثمة فساد أكبر؟
وأبعد من ذلك، ما يفاقم الفساد هو أن الحكومة تدار ليس من خلال أعضائها، وإنما من خلال من يمسكون بسائر ملفات الدولة، ونعني بهم من قاموا بتوزير الأتباع، ولذلك مجلس الوزراء في لبنان هو إطار صُوَري لسلطة مصادرة صلاحياتها.
حيال ذلك، يتأكد أن مَواطنَ الفساد المفترض التصدي لها، تبقى متمثلة بنظام مفصل على مقاسات الطوائف، لا على مساحة وطن، ومثل هذا النظام سيظل غارقا في لوثة الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه!