تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
هل انهارت مقولة "الرئيس القوي" مع تعثر تشكيل الحكومة وبروز معطيات رسخت عجز الطوائف وعدم قدرتها على صوغ مشروع وطني يعزز حضور الدولة؟
للإجابة عن هذا السؤال، وفي قراءة أولية لما برز من أحداث، يتبدى جليا أن لا شيء تغير إذا ما قارنا العهد الحالي مع العهود السابقة، يوم كان الرؤساء لا يمثلون حيثية شعبية واسعة، لا بل أبعد من ذلك، أفضت التطورات السياسية الأخيرة إلى أن الرئيس المستمد شرعيته من تيار وتنظيم سياسي واسع، بات يمثل جهة غير محايدة، وأصبح يواجه عبء حضوره في تفاصيل توزيع المقاعد الوزارية، فضلا عن أن ثمة من يأخذ على العهد توسيع مظلة الأقارب في نضاله السياسي، رئيسا وزعيما لتيار.
لا نشك لحظة في نوايا الرئيس العماد ميشال عون، في نزوعه ليكون أبا لجميع اللبنانيين، وفي إعادة ترسيخ بنيان الدولة، لكن تسارع الأمور يفترض قراءة نقدية، فالتصفيق لا ينفع، ويصم آذان أي مسؤول أو زعيم فلا يعود يسمع أنين المواطنين وهمومهم، وكَــيْـل المديح يعمي عن تلمس مكامن الخلل، وتملق الأتباع أو الساعين لمصلحة، دجل ورياء.
إن من يمحض الرئيس الحب والتقدير، هو من يصوب على الأخطاء لتجاوزها، وهو من لا يحابي، نقول هذا الكلام لأننا نجد في تسنم العماد ميشال عون سدة الرئاسة الأولى فسحة أمل لتخطي واقعنا المأزوم، فلا زال ثمة متسع من الوقت لتصويب الكثير من القضايا، كي لا يبقى لبنان رهينة الانتظار في دوامة أزماته.
لا نريد رئيس الجمهورية ممثلا لتيار ولا لفريق دون غيره، وهذا ما يتطلب ترجمة عملانية على أرض الواقع، وقوة الرئيس لا تتأتى من عدد وزرائه، وإنما من حضوره الراعي للدولة بمؤسساتها ومرافقها كافة، وقوة الرئيس تنطلق من حماية وتطبيق القوانين، ومن تجاوز المحاصصة في كل مواقع الدولة، فماذا يهم المواطن إن كان ثمة مسؤول في دائرة ينتمي لتيار سياسي بعينه؟ ما يهمه أن يسهل المسؤول بشفافية ونزاهة واحترام أعماله، ما يعزز منطق الدولة أكثر.
ومن ثم، كيف يمكن للعهد القوي أن يواجه أزماتنا، من النفايات إلى المقالع والكسارات، إلى مشاريع السدود التي أكدت بما تم بناؤه حتى الآن أنها مجلبة لكوارث، وهي تناقض المسار العالمي لمفهوم السدود حيث بدأت الدول تعمل على هدم ما بنته، والتوجه نحو خيارات أكثر عقلانية وأكثر استدامة.
وكيف للعهد القوي أيضا أن يواجه واقعا اقتصاديا يتفاقم ويطاول سائر القطاعات الانتاجية؟ وكيف يمكن له أن يعاقب ويحاسب المتطاولين على القانون، من السلاح المتفلت إلى ارتكابات الصيد البري؟ وماذا عن أزمات لبنان المستمرة، وأخطرها سرقة الأملاك البحرية العامة ومصادرة ما بقي من شواطىء؟
وثمة أسئلة كثيرة أيضا، لكن لا بد من كلمة أخيرة، متعلقة بالمناصفة وفق ما وردت في "تفاهم معراب" والتي جاءت لتقوض مسيرة العهد، ولتقوض أيضا فكرة الدولة، فتقاسم المواقع، فيه افتئات على أصحاب الكفاءة، البعيدين عن حركة الاصطفاف السياسي في كل الطوائف والمذاهب، خصوصا وأن في كل طائفة ومذهب هناك "معراب" متوارية.
نعلم أن الرئيس يمشي وسط حقل ألغام، ومن يمحضه المحبة، عليه أن ينبه ويكون قد أرضى الله وضميره.