تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– محرر الشؤون السياسية
أي اتفاق جانبي بين من مكونين اثنين ومن طائفة واحدة، ومهما كانت مبرراته ومسوغاته والتنظيرات المسوِّقة له، هو اتفاق على تقاسم اللبنانيين أنفسهم، فُرادى وزرافات، كأنهم مجرد قطعان تساق إلى قدرها في "مسلخ" المصالح الخاصة، ومهما تكن الغايات نبيلة، فذلك لا يبرر أن يستأثر فريقان سياسيان من لون طائفي ومذهبي واحد بتمثيل التابعين وإقصاء من لا يدينون بالولاء لأي من هذين الفريقين، فهذا قمة الظلم والاستعباد، وكأن لا مكان في لبنان لغير التابعين من حملة الحقائب وكاتبي التقارير.
من هنا، نريد اتفاق (معراب) وطنيا، بعيدا من استئثار فريقين من طائفة واحدة بالحصص والمغانم، ولا يمكن أن نبنيَ دولة عصرية وسط تفاهمات جانبية من الثنائي المسيحي (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) إلى الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وصولا إلى الثنائية الدرزية (الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب طلال أرسلان) قبل أن تتداعى في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة.
هذه الاتفاقيات الثنائية لم تجلب إلى لبنان سوى الكوارث، وكانت وستبقى مجلبة لمشكلات كبيرة، فهي عنوان الفساد في كل مرافق الدولة، وفي مختلف سياساتها العامة، لأنها تتجاوز مفهوم دولة القانون والمؤسسات، وفيها تكريس لمحاصصة الأقوياء بعيدا من أية معايير تراعي الكفاءة ونظافة الكف والشفافية في العمل السياسي.
أي ثنائية طائفية ومذهبية تعني إلغاء الآخرين المنتمين بالولادة والهوية إلى هذه الطائفة أو ذاك المذهب، وكأن هؤلاء أبناء جارية ولا بد من تغييبهم عن مواقع القرار، وإقصائهم عن الوصول إلى الندوة النيابية بـ "تكليف شرعي"، ويخطىء من يظن أن "التكليف الشرعي" يمثل نهجا ثيولوجيا (إلهيا) لدى "حزب الله" فحسب، وهو أساسا يندرج في بنية الحزب كمعتقد ديني له ما يبرره في توجهات الحزب، إن كنت معارضا أم مواليا، علما أن "حزب الله" يتحمل تبعات المواجهة مع إسرائيل، ونعيش اليوم استقرارا أمنيا مع ما وفر (الحزب) من مظلة عسكرية كرست في حدود بعيدة توازن الرعب مع الكيان الإسرائيلي، وإن كنا لا نريد للحزب أن يصبح جزءا من عملية تقاسم المواقع والافتئات على قوى شيعية تتسم بالعلم والكفاءة والوطنية، ولا يجوز استبعادها انطلاقا من أن لها الحق في أن تكون حاضرة في مواقع المسؤولية، وهذا أمر يمكن تناوله في غير هذا المقال.
لكن المشكلة أن "التكليف الشرعي" أصبح جزءا من توجهات سائر أحزاب السلطة، وهنا الكارثة.
أي ثنائية طائفية محصنة باتفاق وتفاهمات تعني إقصاء أصحاب الكفاءت على الوزارات ومراكز الفئة الأولى في الدولة، وتقصي أيضا من لا يدين بالولاء لزعيم طائفته، حتى لو كان بدرجة خفير وحاجب في أي مؤسسة رسمية.
وطالما تحكمنا الثنائيات الطائفية، فسيظل الفساد أكبر تجلياتها، لا نريد اتفاق معراب منصة لتبديد هواجس المسيحيين فحسب، وكذلك الأمر بالنسبة للثنائي الشيعي والدرزي، نريد عقدا سياسيا وطنيا يبدد هواجسنا الوطنية، لا هواجس طائفة بعينها، وإلا سنخسر لبنان كوطن حر ومستقل، وسنغد جميعا مجرد أرقام في أجندات القوى الإقليمية والدولية!
وما شهدنا من تسريب لوثائق اتفاق معراب السرية، لهو دليل على أن هذا الاتفاق، وغيره من اتفاقات ثنائية من لون واحد، هو قنبلة موقوتة تقوض منطق الدولة وتحاصر سيادة القانون وتمنع حماية المؤسسات.