تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
الهاشم: اداؤكم أكسب لبنان مناعة وصلابة لم يعرفها في عهود القوة والازدهار
#الثائر
أحيت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي يوم الجمعة العظيمة، وأقامت جامعة الروح القدس - الكسليك، قبل ظهر اليوم، رتبة سجدة الصليب التي ترأسها الرئيس العام للرهبانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون، واعتبر الهاشم في عظته، ان "تواصل الرئيس عون مع الجميع وعقده التفاهمات وتعاليه عن العراقيل والافتراءات بالغفران، اكسب الوطن مناعة وصلابة لم يعرفها في عهود القوة والازدهار السابقة". واعرب عن امله في ان "يتم التحضير للانتخابات النيابية المقبلة وإنجازها ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بأقل قدر من العنف الكلامي واللفظي".
وكان عون والسيدة الاولى وصلا الى جامعة روح القدس - الكسليك عند العاشرة والدقيقة الخامسة والعشرين، وكان في استقبالهما عند المدخل، الهاشم ورئيس الجامعة الاب البروفسور جورج حبيقة اللذان رافقاهما الى قاعة البابا يوحنا بولس الثاني. وبعدما وضع رئيس الجمهورية وقرينته باقتي زهر امام جثمان المصلوب دخلا الى القاعة وسط تصفيق الحاضرين.
حضر الرتبة الرئيس امين الجميل، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني، الوزراء جبران باسيل وسيزار ابي خليل ونقولا تويني وبيار رفول ورائد خوري وجان أوغاسبيان وملحم الرياشي، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ايفان سانتوس، رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان، رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، قائد الجيش العماد جوزيف عون ونواب حاليون ووزراء ونواب سابقون وكبار موظفي الدولة المدنيين والعسكريين والقضاة ونقباء المهن الحرة وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير والمؤمنين.
عاون الهاشم في الرتبة حبيقة ومجلس الآباء المدبرين في الرهبنة ولفيف من الآباء، وخدمت الرتبة جوقة الجامعة بقيادة عميد كلية الموسيقى الاب بديع الحاج.
بعد قراءة الاناجيل الاربعة، ألقى الهاشم عظة بعنوان: "إغفر لهم يا أبتاه، إنهم لا يدرون ماذا يفعلون" قال فيها: "مرة جديدة نجتمع حولكم يا صاحب الفخامة، مع السيدة الأولى، وأركان الدولة والمجتمع، وسعادة القائم بأعمال السفارة البابوية ومع الآباء الأجلاء والأخوات والاخوة المحبين للمسيح، نلتقي في هذا الصرح، جامعة الروح القدس، فيحملنا الروح على جناح الصلاة، في رحلة وجدانية عابرة للزمان والمكان، توصلنا إلى جبل الجلجلة في اورشليم القدس، في السنة الثالثة والثلاثين لميلاد المسيح. المشهد محزن مؤلم مروع: كل شيء عنيف أقوى من أن تحتمله الحواس. وكأن الشر يحتفل بالنصر على الخير، في عرض عسكري لسلاح العنف في أقسى مظاهره. الصورة والصوت يضخان عنفا: جسد عريان منهك معلق على الصليب، شوك يبرز من الإكليل على الرأس وينغرس في الجبين، مسامير تخترق لحم اليدين والرجلين وعظمهما، حربة تشق الجنب وتدمي الصدر والقلب، دم يسيل من آثار الجلد والشوك والمسامير والحربة، أم ورفيقات يبكين عاجزات، جنود محتلون يهزأون، جموع حاقدة تسخر، سماء تظلم منتصف النهار، دوي رعد يختلط بمزيج من أصوات حشرجات الألم وقهقهات السخرية ووشوشات التآمر والخيانة".
أضاف: "وكأن كل هذا غير كاف، فيتابع الشر استعراض أنواع أخرى من عنف معنوي أشد وأدهى: عنف الخيانة، خيانة التلميذ يهوذا الذي قبض ثلاثين من الفضة لتسليم المعلم، عنف الخوف والجبن، خوف الرسل والأتباع والأقربين وجبنهم فهربهم وتشتتهم وتخليهم عن المعلم، عنف التخاذل والخنوع، تخاذل السلطات السياسية القضائية واستعمالها واستغلالها لسلطتها في سبيل تقديم المصلحة الذاتية الآنية على إحقاق الحق والعدل، عنف التعصب والعنصرية، التعصب الديني الأعمى المتقوقع في محدودية الحرف والمصلحة الفئوية الضيقة وعدم الانفتاح على وحي الله وإرادته، لا بل استعمال شريعة الله والله للقضاء على الآخر المختلف رأيا أو معتقدا، عنف الجهل، جهل الشعب لما فيه خيره، واستعباده لأوهام السعادة وسراب الإزدهار، عنف تسخير الرأي العام لمصلحة بعض أرباب السلطة، فأطلق برأبا وقبض على يسوع، عنف اللامبالاة، لامبالاة العالم بما يحدث فيه من ظلم وجور وقهر، عنف السخرية والاستهزاء وازدراء المستقوي بالضعيف والمسكين والمختلف شكلا أو لونا أو دينا أو ثقافة أو قيما".
وتابع: "في وسط هذه العاصفة من العنف، نلمح شفاه يسوع تتمتم، ونسمع، عبر الصخب، الصوت ذاته الذي علمنا التطويبات وصلاة الأبانا، الصوت الذي شفى المرضى وأعاد البصر للأعمى والنطق للأخرس والسير للمخلع، الصوت الذي جادل الكتبة والفريسيين وطرد الشياطين، الصوت الذي بكت التلاميذ على قلة إيمانهم ثم هدأ العاصفة والأمواج. إنه صوت المعلم الرصين الهادىء يقول لأبيه عن الصالبين: "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". نسمع صوت المعلم، فنفيق من سباتنا، وتهدأ امواج اضطرابنا، وندرك أننا بدورنا لم نكن ندري ماذا نرى ونسمع. وتنقلب الصورة والمشهد، فنعي أننا في حضرة احتفالية انتصار الخير على الشر وليس العكس، وأن محبة يسوع الذي جعلته يقتبل بشجاعة تحمل العنف بشخصه، بدل أن يبادل به ويفرضه على الآخرين، هزمت الشر وأسلحته، وأن عيون يسوع المفتوحة على الصليب، كما تصوره الإيقونوغرافيا السريانية والمشرقية، تؤكد لنا أننا في حضرة الملك القائد المنتصر، الذي لم ينكسر ولم يهزم، وبقي على الصليب مرفوع الرأس، شامخ الجبين أبيا، يستعرض أفول جيوش الشر والعنف المندحرة أمام سلاح المحبة والغفران. ويتحول الصليب من علامة الذل والهوان إلى عرش ملك السلام. ونحتفل برتبة سجدة الصليب، ساجدين للملك الإله الجالس على عرش الصليب، وندعه يتمم كل بر بدفنه وهبوطه إلى الجحيم وتخليص ساكنيها، بانتظار الاحتفال برتبة السلام يوم أحد القيامة، سلاما أحله رب السلام بسلاح المحبة والغفران".
وقال: "ونعود من رحلتنا الروحية الوجدانية عبر الزمان والمكان إلى واقعنا في عالم اليوم، ونتيقن أن المشهد ليس أقل ضراوة. وكأن العنف أصبح سيد هذا العالم المعاصر. مظاهر العنف تعم الكون: تعنيف للأرض والطبيعة والبيئة، يلوث اليابسة والجو والمحيطات، ويقضي على الغابات ويبيد الكثير من المخلوقات التي تشاركنا الوجود، عنف سياسي واقتصادي تمارسه دول على دول ومجتمعات على مجتمعات، فيتم تخطي القوانين والشرائع الدولية، وتستهدف الطبقات الفقيرة بسياسات التجويع والإخضاع. حروب على امتداد الكرة الأرضية، عمليات قتل وتهجير وابادات مبرمجة، لا توفر الشيوخ والنساء والأطفال. تفنن في اختراع وتطوير أسلحة القتل والتدمير وتجربتها واستعمالها، تسابق على امتلاك أسلحة الدمار الشامل والتهديد باستخدامها. عنف ديني متعصب يتلطى بنصوص جامدة متحجرة، للقضاء على كل من وما لا يشبهه في بشاعته وحقده وتخلفه، مستندا على دعم خفي وبعض الأحيان علني، من دول ومنظمات حاقدة أو غبية. عنف التمييز العنصري والاجتماعي والثقافي وبشكل خاص عنف التمييز الطبقي بين الأغنياء والفقراء، فتتسع الهوة الفاصلة يوما بعد يوم، ويزداد انتشار الجهل والفقر والجوع والأمراض وسط لا مبالاة قاتلة من بعض المجتمعات والأشخاص المقتدرين. عنف الصور المرعبة والوقحة التي تتسلل إلى كل مكان، دون رادع، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. عنف كلامي ولفظي منتشر على ألسنة كبار هذا العالم وبعض المسؤولين المدنيين والدينيين والمربين التربويين، عالميا ومحليا. عنف اسري خرق حتى حرمة العائلات فبات الخوف من الأب والأم والزوج والزوجة والأبناء".
أضاف الهاشم: "لكننا وسط هذا الجو، نستحضر انتصار المسيح على العنف ونستحضر سلاح المحبة والغفران الذي سلمنا إياه، ونرى كيف أن الكنيسة وأبناءها يتابعون محاربة العنف بالمحبة والغفران على امتداد العالم. نتابع كيف ينتصر قداسة البابا فرنسيس كل يوم للفقراء والمهمشين والمظلومين في العالم، مطالبا بحقوق المقهورين وبإحلال السلام والعدالة، ونرى كيف يكرس الكثير من أبنائها وبناتها حياتهم للخير وخدمة الفقراء والمرضى والمسجونين والمظلومين والمهمشين ولمحاربة الجهل والتخلف، وكيف يتحمل المسيحيون الإضطهاد المعنوي والإعلامي والجسدي في مختلف أنحاء العالم، وكيف يشهد آخرون لإيمانهم ومحبتهم وغفرانهم في أعمالهم ووظائفهم العامة والخاصة وفي عائلاتهم. وواقعنا في لبنان لا يختلف عن واقع عالم اليوم. لكننا واثقون بأن كنيستنا المحلية تواصل الشهادة لقيم المحبة والغفران والسلام بقيادة غبطة ابينا البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي والبطاركة والأساقفة والتزام جميع المكرسين والمكرسات والمؤمنين والمؤمنات أصحاب الإرادات الطيبة. لكننا أيضا واثقون باعتناقكم وممارستكم لهذه القيم فخامة الرئيس، وبقناعتكم بأن إحلال السلام الحقيقي لا يتم إلا عبر المحبة والغفران".
وتابع: "عملا بهذا المنطق، تواصلتم مع الجميع وأقمتم التفاهمات وتعاليتم على العراقيل والافتراءات بالغفران، محافظين على كرامتكم وكرامة جميع اللبنانيين، مما أكسب الوطن مناعة وصلابة لم يصلها في عهود القوة والإزدهار السابقة، فتمكن جيشه وقواه الأمنية من تحرير أراضيه وحمايتها، وتخطى المخاطر الكثيرة التي تحيط به. وبالروحية ذاتها تتابعون الاهتمام بشؤون جميع فئات الشعب ومكوناته، دون تمييز مناطقي أو مذهبي أو سياسي. وتسعون إلى جعل لبنان مركز الحوار والتلاقي الديني والثقافي، وتظهرون دوره كوطن شاهد لهذه القيم ولإمكانية انتصار المحبة والسلام على الشر والعنف. وقناعتنا كبيرة بأن أكثر المسؤولين الحاضرين معنا والمشاهدين، يؤمنون بالقيم ذاتها ويسعون إلى تطبيقها والشهادة لها في عملهم السياسي والإداري والدبلوماسي والأمني والقضائي والإعلامي وعلى كل المستويات. صلاتنا أن يعمل جميع المسؤولين اللبنانيين بهدي هذه القيم. فيتم التحضير للانتخابات النيابية المقبلة وإنجازها ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بأقل قدر ممكن من العنف الكلامي واللفظي. فتنتصر المحبة ويعم السلام".
وختم الهاشم: "نصلي إلى الرب أن يحفظ لبنان واللبنانيين جميعا في جو من السلام والمحبة الصادقة المتبادلة. وأن يستمر انتصار منطق الصليب شكا لحكمة العالم وجهالة لتدين المتعصبين، بشفاعة قديسي لبنان شربل ورفقا ونعمةالله واسطفان ويعقوب وعناية أمنا العذراء مريم، سيدة لبنان، التي أوكلنا الرب إلى حمايتها من على صليبه".
بعد انتهاء الرتبة، انتقل عون والهاشم الى قاعة جانبية وانضم اليهما الجميل وباسيل وسانتوس وحبيقة، وكانت أحاديث تناولت المستجدات على الساحة المحلية. ثم انتقل الحضور بعد اكتمال عقد المدعوين الى قاعة الطعام للغداء، وشرب الهاشم نخب عون، متمنيا له "الصحة ومواصلة النجاح في قيادة مسيرة البلاد".
وبعد الغداء، غادر عون الجامعة وكان في وداعه الهاشم وحبيقة ومجلس المدبرين.
وطنية -