تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
رغم ان الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة في لبنان تشعر بحصانة تحميها من أي مساءلة شعبية ، ما مكنها من الإطاحة بالدستور و الاستخفاف بالقانون ، و تشريع الفساد و النهب المنظم لثروات البلاد ، و بالتالي فهي لن يرف لها جفن مهما كانت مستويات الصرخة الشعبية ضدها ، رغم كل ذلك نجد ان الانتخابات البلدية التي نفذت في جولتها الأولى في بيروت و البقاع ،اعادت لوائحها ومنحتهم المقاعد المتنافس عليها ، لكنها انتجت مشهدا يؤشر الى كثير من الدلالات التي كانت كفيلة بالإطاحة بنظام التسلط و السيطرة و الفساد القائم في لبنان ، لو لم يكن هذا النظام متحصنا بدروع الطائفية و يعتاش على جاهلية عشائرية تتبدل عناوينها و تتحد عند امر واحد مفادها القول "السلطة لنا و لا قيمة لإرادة الشعب".
لقد امعنت الطبقة السياسية المتسلطة في لبنان والتي تنهب ثرواته، امعنت بالاستخفاف بالإرادة الشعبية التي هي أصلا أساس كل السلطات، فمددت لنفسها بحجة الامن ولم يعقها الامن ذاته عن اجراء الانتخابات في بلدة يهيمن عليها بشكل ظاهر او مقنع جماعات إرهابية معظمهم من غير اللبنانيين كما هو الحال في عرسال.
لقد اصرت مكونات من هذه الطبقة على رفض أي قانون انتخاب نيابي يعكس الإرادة الشعبية و لا يلغي أحدا و لا يختزل احد بأحد و ترفض اعتماد أي صيغة من النظم الانتخابية المعمول بها في العالم وهي كما بات متعارفا عليه صيغتان : اما النظام الاكثري القائم على الصوت الواحد (لكل منتخب صوت واحد يختار فيه مرشحا واحدا يمثله) او النظام النسبي على أساس اللوائح و الدوائر الكبرى ، و هي تصر على نظام اكثري بدوائر هجينة لا تعتبر كبرى او متوسطة و تفصل حسب مصالح مكونات الطبقة الدائمة في السلطة و لهذا او من هنا تبدأ العلة و يستشري المرض العضال ، حيث يكون الانتخاب بمقتضى القانون النافذ اليوم نوعا من تعيين او اغتصاب او شراء مقعد مترافقا مع الغاء و اقصاء بعيدا عن راي الشعب .
ورغم هذا ومع الملاحظات الجوهرية على قانون الانتخابات البلدية كما هي او أكثر الملاحظات على قانون الانتخابات النيابية فان الانتخابات البلدية جرت وكان لتنفيذها ونتائجها من الدلالات ما لا يمكن لاحد تجاوزه حتى مع الواقع الذي ذكرنا بالنسبة للطبقة السياسية ومن اهم ما يجب التوقف عنده من دلالات والاخذ به من استنتاجات ما يلي:
1) سقوط ذريعة التمديد للمجلس النيابي وبالتالي سقوط شرعية مجلس النواب الممدد لنفسه خلافا للمبادئ الدستورية التي لا تجيز أصلا للوكيل ان يمدد وكالته من غير العودة الى الموكل. لقد تجاوز المجلس الدستوري هذا المبدأ لعلة الظروف الاستثنائية التي استند الى حالة الامن المزعومة للقول بعدم القدرة على اجراء الانتخابات اما اليوم وقد جرت الانتخابات وسقطت الذريعة فلا مبرر مطلقا للعمل بما تبقى من المهلة الممددة بل يجب المسارعة فورا وبمهلة شهرين حدا اقصى كما ينص الدستور، المسارعة الى اجراء الانتخابات النيابية ـ اما اذا استمر المجلس الحالي و استمر الى جانبه مجلس او هيئة الحوار فقد يتضمن هذا الامر إقرار ضمني بسقوط الدستور او تعليقه لصالح العمل بهيئة تأسيسية هي طاولة الحوار لكن هذه الطاولة قائمة على عيب رئيسي لانها غير شاملة التمثيل .
2) اثبتت الانتخابات البلدية ان معظم مكونات السلطة متناحرة فيما بينها متحدة ضد الشعب وبالمقابل يبدي الشعب اعراضا ويأسا من هذه الطبقة من جهة ومن جهة أخرى ورغم ذلك تجد محاولات شعبية ذات دلالة هامة تقتحم على الطبقة السياسية كهوفها وتهددها في تسلطها. وعلى العقلاء ان يدرسوا جيدا انتخابات بيروت حيث عجزت لائحة السلطة عن الحصول على أكثر من 10% من أصلت الناخبين المسجلين كما وعجزت رغم كل ما قامت به من تحشيد وتجييش، عجزت عن المجيء بأكثر من 17 % الناخبين صوت أكثر من ثلثهم لغير لوائح السلطة. ما يعني ان تحشيدا إضافيا او تغييرا في قانون الانتخاب سيؤدي حتما للإطاحة بالطبقة السياسية الفاسدة. رغم كل ما تملك من أدوات الترغيب والترهيب ومعها القدرة على التلاعب بالنتائج دون حسيب او رقيب.
3) تبدل طبيعة تكوين الطبقة السياسية اللبنانية و الانتقال من الاقطاع السياسي القائم على العائلات التقليدية الى اقطاع سياسي اشد و امر قائم على الأحزاب السياسية ذات البعد الطائفي التي تتحكم بها عائلات جديدة و تسارع ضمور نفوذ العائلات السياسية دون ان تفقد وزنها او تأثيرها لكن دون ان يمنحها هذا المتبقي من النفوذ أهلية البقاء في مقاعد السلطة كما حصل في زحلة على سبيل المثال حيث اكتسحت الأحزاب المتناحرة -المتحدة الميدان الانتخابي و منعت العائلة السياسية التقليدية لزحلة من الفوز بمقعد بلدي واحد، و بسبب القانون الانتخابي الظالم فاز بكل المقاعد من حاز على 10 الاف صوت و حرم من التمثيل في المجلس البلدي 16 الف صوت لأنها توزعت على لائحتين .لتؤكد مرة أخرى وجوب تعديل قانون الانتخاب .
4) اكدت الانتخابات البلدية ان الشعب إذا أراد يستطيع ان يثبت وجوده اذ ليس من الامر البسيط ان يسجل في بيروت وضد لائحة السلطة نسبة عالية من الأصوات تجاوزت الثلث من المقترعين بما يحسب له ألف حساب فيما لو كان قانون الانتخاب عادلا ويقوم على النسبية التي تفسح المجال بالتمثيل حسب الاحجام الحقيقة دون الغاء او اقصاء او مصادرة.
5) تبقى ملاحظة يجب ان تذكر هنا رغم بعدها عن الفكرة الأساسية لموضوعنا هنا، وهي تتعلق بالشرعية التراكمية التي تكتسبها المقاومة المؤكد عليها في صفوف جمهورها. حيث ان انتخابات البقاع وبشكل خاص الشمالي منه اكدت ان البيئة الحاضنة للمقاومة تشتد تمسكا بمقاومتها رغم كل ما تتعرض له المقاومة ومناصروها ومؤيدوها من مضايقات وملاحقات لم يكن قانون التضييق المالي الأميركي والتدابير المصرفية المتخذة بالاستناد اليه اقلها. لقد اتاحت الانتخابات هذه فرصة للقول بان الشعب يتمسك بمقاومته تمسك لا تراجع عنه وقد تجلى بارتفاع نسبة المشاركين بالانتخاب وارتفاع نسبة المقترعين للوائح المقاومة الى حد جعلها تفوز بكل البلديات التي نافست عليها.
و أخيرا يمكن القول ان الانتخابات الأخيرة فرضت واقعا و أرسلت انذار للطبقة السياسية ، مفاده ان الشعب لم يسلب كل قدراته و ما لديه يمكنه من التحرك في مواجهتها ، و ان النظام الانتخابي الظالم لا يمكن ان يستمر الى الابد ، و أخيرا ان إعادة انتاج النظام و اعادة تصنيع الاقطاع السياسي المستبد امر غير مأمون العواقب ، فهل يبادر أصحاب الشأن الى خوض معركة تحرير الوطن سياسيا و اعتماد قانون انتخاب قائم على النسبية في كل لبنان كدائرة انتخابية واحدة ام انهم سينتظرون انفجار يجبروهم على التغيير او يحدث التغيير من غير الحاجة الى موافقتهم ؟
العميد د. امين محمد حطيط