تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
تعقد في جنيف هذا الأسبوع الدورة الأولى من المفاوضات بين النظام السوري ومعارضيه فتستمر تسعة أيام، على أن تعقد الدورة الثانية في أوائل نيسان. ينسق الديبلوماسي من الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا مسار المفاوضات التي ستبدأ بالاجتماع بكل فريق على حدة.
الدلائل الأولى ليست مشجعة لنجاح المفاوضات. الوفد المعارض أعلن أن هدفه تنفيذ اتفاق جنيف واحد (2012) بين موسكو وواشنطن الذي دعا الى الاتفاق على حكومة ائتلافية لها كل الصلاحيات لحكم سوريا. هذا يعني تغيير نظام الحكم في سوريا بانتقال السلطة والقرار من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء، قبل الاتفاق على شكل النظام الجديد. آخرون من المعارضة طلبوا بإصرار رحيل الرئيس بشار الأسد قبل انتهاء المرحلة الانتقالية، ومنهم من شدّد على أن لا يكون الأسد جزءا من الحل.
الحكومة السورية رفضت في السابق اتفاق جنيف واحد، الذي تمَّ في وقت كانت قواتها تخسر المعركة تلو الأخرى. أكد ذلك مجدداً وزير الخارجية السورية عند إعلانه عن موافقة حكومته على الاشتراك في المفاوضات. وأعلن الوزير وليد المعلم أن البحث في مصير الرئيس الأسد خط احمر، وانتقد تصريح دي مستورا الذي وعد بانتخابات رئاسية بعد 18 شهرا. دعم جون كيري لاحقاً موقف دي مستورا واتهم المعلم والرئيس الأسد بالمشاكسة على عملية السلام.
بكلام آخر، الهوة بين الفريقين ما زالت عميقة وامكان التوصل الى اتفاق لتعزيز وقف الأعمال العدائية وتثبيته تبقى بعيدة، ولهذا أعطي دي مستورا مهلة عام وأكثر لتحقيق اتفاق سلام بين الطرفين. وبينما كل من القوى الإقليمية ومنها السعودية وإيران مستمرة في دعم حليفها، يبدو أن هناك نذراً من المعرفة في ماهية حقيقة الاتفاق الذي حصل بين جون كيري وسرجي لافروف، وبدعم قوي من الرئيسين باراك اوباما وفلاديمير بوتين .
يعترف المراقبون والمحللون الأميركيون بأن الروس في موقع أفضل من واشنطن للتأثير على مجرى المفاوضات. بينما يفاوض لافروف متأكداً من دعم الرئيس بوتين العسكري له في سوريا، يدرك كيري ان الرئيس اوباما لن يقدم على استعمال القوى العسكرية الأميركية في سوريا لدعم موقفه في المفاوضات، وقال اوباما ذلك بوضوح في مقابلته في مجلة «اطلنتيك» الأسبوع الماضي.
لكن واشنطن تعتمد على عاملين رئيسيين قد يؤثران على موقف الرئيس بوتين لتسيير المفاوضات لمصلحة المعارضة وتشير تصريحات بعض المسؤولين الروس الى احتمال حدوث ذلك.
÷ العامل الاول يتعلق بالرئيس بوتين نفسه. بعدما أعاد الى روسيا بتدخله في سوريا مرتبة «الدولة الكبرى»، يترتب عليه المحافظة على ذلك بالتصرف كرجل دولة ومسؤول دولي كبير لحل المشاكل الدولية وسوريا منها.
÷ العامل الثاني يتعلق بسعر برميل النفط الذي انخفض في أقل من عام من ما يزيد عن مئة دولار الى حوالي ثلاثين، خاصة أن ايرادات الموازنة الروسية تعتمد الى درجة كبيرة على المدخول من تصدير البترول. من المعلوم أيضا أن روسيا والسعودية أكبر الدول المصدِّرة للنفط، قد اتفقتا منذ أقل من شهر على عدم زيادة صادراتهما للحد من تدهور سعر البترول.
الى ذلك، فإن التغيير في سوريا في نظر واشنطن لا يعني بالضرورة استبدال أصدقاء أو حلفاء موسكو بأصدقاء أو حلفاء واشنطن. ما تطلبه واشنطن والسعودية وحتى تركيا، ليس تغيير النظام السوري وإنما استبدال الرئيس بشار الأسد بسوري آخر حتى وإن كان حليفاً لموسكو ومن الطائفة العلوية اذا لزم الأمر. يراهن بعض المسؤولين في واشنطن على ان الرئيس بوتين سيقدم على خطوة كهذه خدمة لـ «الأنا» فيه وندرة الأموال المتوافرة لديه.
القوى الإقليمية المعارضة للنظام السوري وافقت على وقف إطلاق النار استنادا الى التوقعات الأميركية. إذا حصل التغيير في الرئاسة تكون اهدافهم قد تحققت، وإلا بعد عام سيكون في واشنطن رئيس جديد يغير سياستها نحو سوريا ويساعدهم على التغيير فيها.
بكلام آخر، طريق السلام للسوريين تبدو طويلة، وعلى المراقب ان يواكب مسيرة السلام خطوة خطوة، وإمكان التكهن حتى في المدى القصير سيكون صعبا جداً. كلام الرئيس الأميركي عن الشرق الأوسط عن انه فيما يتطلع مواطنو دول آسيا واميركا اللاتينية وإفريقيا الى العلم والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، يركز مواطنو الشرق الأوسط على الانقسامات الطائفية والمذهبية والقبائلية والانتقام من التاريخ والجغرافيا، ما يجعل إمكان حل مشاكلهم صعبا ان لم يكن مستحيلا، ومن ثم يقاس النجاح باحتواء تلك المشاكل.
غير ان اعتماد بعض الدول الإقليمية والمعارضة السورية على تغيير في واشنطن في العام 2017 لحل مشاكل المنطقة لصالحهم قد يخيب آمالهم. ان الاستطلاعات تشير الى ان الشعب الأميركي يشعر بأن لا ناقة له ولا جمل في حروب الشرق الأوسط المعقدة. لذلك، ربما على السعوديين ان يعملوا بحسب نصيحة الرئيس اوباما، ويشتركوا مع ايران في حل مشاكل المنطقة وإلحاقها بركب التقدم العالمي.