تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
"الثائر"
حسين طليس -
يتقن حزب الله لعبة الكمائن، بل هو رائدها ومحترفها. منذ العام 1982 وحتى الأمس القريب، أحسن الحزب إستخدام سلاحه الأكثر إيلاماً وفعالية، فأجاد اختيار زمان ومكان الإستهداف، والأهداف التي أراد تحقيقها من خلال هذا التكتيك العسكري، حيث أقلق قوات الإحتلال الإسرائيلي وشل تحركاتها وعرقلها ملحقاً بها خسائر كبيرة، خلال معارك تحرير الجنوب اللبناني التي امتدت حتى العام 2000. كما أستطاع أن يجعل من هذا التكتيك عامل تفوق خلال حرب تموز، منع عبره التوغلات البرية لجيش الإحتلال، ليحوله لاحقاً إلى عنصرٍ أساسي من عناصر الردع في سياق توازن الرعب الذي أقامه مع "إسرائيل"، وكان كمين شبعا الذي أتى رداً على قصف كوادره في القنيطرة، أحدث الشواهد حين عجزت "إسرائيل" عن ردع هذا السلاح رغم معرفتها السابقة بنيّة الرد واستعدادها لتفاديه.
انتقل التكتيك العسكري الى سوريا، مع انتقال معارك الحزب اليها في مواجهة المجموعات الإرهابية هناك، ولم يقلّ فعالية عما كان عليه في جنوب لبنان، حيث حقق الأهداف المرجوة منه، فحرم المسلحين في الغوطتين من ميزة التنقل بين الجبهات بأعداد كبيرة وشن الهجمات المباغتة نحو العاصمة دمشق ومحيطها، وذلك بعد سلسلة كمائن إستهدفت تحركاتهم الراجلة والمؤللة، وكان كمين "العتيبة" أشهرها. كذلك حصل جنوباً مع سلسلة الكمائن التي استهدفت تحركات المسلحين القادمين من الأردن الى الداخل السوري، وكان كمين "الجولان" واحداً منها، الأمر الذي أقلق حركة المسلحين العابرين للحدود وحدّ من زخمها.
وأخيراً كمائن جرود القلمون، من الزبداني وحتى جرود قارة وجوسية، التي سبق وان أثبتت فعاليتها وحققت الاهداف المرجوة منها حينها، فأوقفت الهجمات بإتجاه الأراضي اللبنانية، وحدّت بشكل كبير من تحركات المسلحين عبر الحدود، وبين نقاط انتشارهم، فقطعت طرق تواصلهم وامداداتهم وشلّت تحركاتهم، وإن كانت قد هدأت وتيرتها في المرحلة الماضية، بفعل الهدوء النسبي الذي شهدته تلك الجبهة، إلا أن الزخم عاد ليرتفع في الايام الماضية مع تنشيط لافت لتلك الجبهة، نتج عنه أكثر من 5 كمائن في أقل من أسبوع، إستهدفت قيادات المجموعات المسلحة ، كان آخرها كمين أمس الذي قضى على "الأمير الشرعي" لتنظيم "داعش" في جرود القلمون المدعو "أبو عبد الله عامر".
مصادر ميدانية مطّلعة أكدت في حديث خاص لـ"بيروت برس"، أن "المرحلة القادمة على الجرود ستشهد تفعيلاً لافتاً لهذا النوع من العمليات العسكرية (الكمائن)، وما شهدته الأيام الماضية هو البداية فقط، وهو جزء بسيط من "الإقتصاص" الذي عزمت المقاومة على تنفيذه بحق من استهدف أهلها الآمنين في بيروت والبقاع، إضافة إلى كونه يأتي في سياق العهد الذي التزمت به المقاومة تجاه اللبنانيين، وخاصة أبناء البقاع، بتحرير جرودهم التي تحتلها المجموعات الإرهابية، وتتخذها منطلقاً لمهاجمة الداخل اللبناني."
وحول استراتيجية الكمائن تحديداً، تشرح المصادر أن "هذا النوع من العمليات العسكرية، هو الأكثر فاعلية حالياً وفقاً للمعطيات الميدانية الموجودة في الجرود. فعلى الرغم من وجود القدرة على شن هجوم بري بإتجاه آخر معاقل المسلحين بين جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، كما حصل في المرحلة الماضية حينما استعادت المقاومة معظم الجرود، فإن هكذا هجمات من المعلوم عسكرياً أنها أكثر تكلفة في وجه عدو يتحصن خلف الطبيعة الوعرة للمنطقة، ويحاول إستنساخ "التجربة الأفغانية" لجهة الإحتماء بالجبال والكهوف، وهو ما تفشله استراتيجية الكمائن التي تنفذ على طريقة "حرب العصابات" المباغتة وغير المتوقعة. إضافة الى أن الحصار المفروض اليوم على المسلحين، بات يمنع خطر تنقلهم او دخولهم إلى الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن خطرهم تقلص بشكل كبير ولم يعد يستدعي من المقاومة السرعة في تنفيذ عملياتها، وهو ما اتاح الفرصة للإعتماد على الكمائن، الأقل تكلفة من الناحية البشرية والعددية، والتي تثبت فعاليتها الكبيرة في المواجهة، خاصة وأن الشتاء قد حل على الجرود، وهو ما سيلزم المسلحين بالتنقل والحركة لتأمين اللوجستيات المطلوبة للصمود في الجرود، في حين أن لجوء المسلحين الى "السبات" سيكون قاتلاً بدوره في هكذا ظروف مناخية، وحصار يمنع الإمدادات ويقطع طرقها."
وتختم المصادر بشرح للأهداف التي تتحقق من خلال تلك الكمائن، حيث تشير إلى أن "هذه العمليات تستهدف بالدرجة الأولى قادة المسلحين الميدانيين والمسؤولين التنظيميين، وذلك في سبيل إفقاد المجموعات سيطرتها الداخلية وبالتالي تشتيت عناصرها، وإفقادها كوادرها والعقول المدبرة لتحركاتها ونشاطاتها. كذلك فإن الكمائن تستهدف تحركات المسلحين وتواصلهم، وتحرمهم من حرية الحركة والإتصال فيما بينهم وبين نقاط تمركزهم، خاصة عبر الكمائن المتقدمة، كالتي شهدتها طرق الإمداد الواصلة بين مراكز المسلحين والمعابر التي يسيطرون عليها في الأيام الماضية. والأهم هو إشغال المسلحين ووضعهم في إطار الخطر الدائم والترقب، وبالتالي منعهم من التفرغ للتخطيط لهجمات نحو الاراضي اللبنانية أو السورية، والإنشغال في تأمين حمايتهم الخاصة بوجه الكمائن التي باتت تصل الى عمق مناطق سيطرتهم."
وكان نهار أمس قد شهد كمينا نوعياً نفذته المقاومة، إستهدف "الأمير الشرعي" لتنظيم داعش في الجرود المدعو "أبو عبد الله عامر"، وذلك بعد رصد دقيق لتحركاته، مكّن المقاومة من زرع عبوة ناسفة على الطريق التي تعتبر في عمق الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، بين جرود رأس بعلبك وقارة قرب ما يسمى بـ"معبر مرطبية"، حيث تم تفجيرها أثناء مرور موكبه المتوجه الى أحد حواجز التنظيم في مهمة تفقدية، ما أدى إلى مقتله مع عدد من مرافقيه.
كذلك أعدت المقاومة عبوة ثانية على الطريق المؤدية الى مكان الإنفجار الاول، إستهدفت آليات المسلحين الذين حاولوا الوصول الى مكان الإنفجار لإنتشال جثث القيادي ومرافقيه، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم، بينهم قيادي ميداني آخر لم تحدد هويته بعد. واندلعت على الأثر اشتباكات عنيفة بين المقاومة ومسلحي "داعش"، إستخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، حيث قامت المقاومة مجدداً بإستهداف مدفعي لتحركات المسلحين، ما أدى إلى وقوع مزيدٍ من الخسائر في صفوفهم.
وبالتزامن استهدف الجيش اللبناني تحركات المسلحين، حيث دمر عبر صاروخ موجه، آلية لهم كانت تقل القيادي "ابو جاسم الفليطة"، ما أدى الى مقتله ومن معه.
يذكر ان الأيام الماضية قد شهدت عدة كمائن نفذتها المقاومة ضد قيادات المسلحين وتحركاتهم ومحاولات تسللهم نحو الأراضي اللبنانية، كان أبرزها صد هجوم لـ"داعش" نحو جرود القاع وتلال الحمرا مساء الأحد الماضي، واستهداف طرق انسحابهم بعبوات ناسفة أدت إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم، إضافة إلى استهداف صاروخي لإحدى تجمعاتهم عند ما يسمى بـ"معبر الزمراني"، أوقع عدد من القتلى وجرحى ودمر عدة آليات لهم.
كذلك، سبق للمقاومة ان نفذت كميناً نوعياً في جرود عرسال، إستهدف القيادي في "جبهة النصرة" المدعو "أبو فراس الجبة" بصاروخ موجه دمر الآلية التي كان يستقلها ما ادى إلى مقتله، تبعه استهداف للمجموعات التي حاولت سحب جثته، في سيناريو مشابه لما جرى بالأمس، وأدى أيضا إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوف عناصر "النصرة".
(بيروت برس)